في الوقت الذي شرَّقَ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية إلى دول آسيوية من ضمنها الصين واليابان، للدفع بالعلاقات السعودية الآسيوية إلى الأمام، حيث تم توقيع 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، علاوة على برامج في العديد من المجالات المدنية والعسكرية، مع الصين، ومنها مشاركة المملكة في رحلة الصين لاستكشاف القمر، وشراكة لتصنيع طائرات من دون طيار. كما جاءت زيارته إلى اليابان لتأكيد عمق العلاقات السعودية اليابانية، ضمن رحلة أخذته إلى عدد من دول آسيا الأخرى. في هذا الوقت كان ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز قد غرَّب نحو واشنطن، فيما يبدو أن سياسة الانفتاح التي يقودها محمد بن سلمان قد بدأت تؤتي ثمارها في كسر احتكار «المحاور» التقليدية التي عفَّى عليها الزمن، على أساس أن المصالح العليا لكن تكون في اتجاه واحد، أو كما تقول الأدبيات في هذا الشأن «عدم وضع كل البيض في سلة واحدة». وقد تم استقبال الأمير محمد بن سلمان استقبالاً حافلاً من طرف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي تختبر دول العالم توجهاته حيال القضايا الأساسية في العالم. جاء محمد بن سلمان وهو يحمل رؤية 2030 للتحديث في المملكة العربية السعودية، تماماً كما ترشَّح من اللقاء أنه بحث «التحديات الخطيرة التي تواجهها المملكة من إيران»، وذلك خلال لقاء الأمير مع «جيمس ماتيس» وزير الدفاع الأميركي. كما حمل ولي ولي العهد السعودي مخاوفَ المنطقة من ازدياد رقعة الإرهاب، وهي رؤية تتطابق مع الرؤية الأميركية الحالية، المغايرة لرؤية الرئيس السابق (باراك أوباما) الذي لم يحقق الدور المأمول منه في محاصرة الإرهاب أو القضاء عليه، بتردده دخول المستنقع السوري! ويُلاحظ دقة تعبير الأمير محمد بن سلمان فيما يتعلق بالأوضاع في سوريا، حين قال: «نحن مستعدون لفعل كل شيء من أجل محو الإرهاب.. أي شيء على الإطلاق»، وهذا التعبير له دلالاته التي تشير إلى أن التدخل العسكري أمر وارد! وكان الأمير صريحاً ومباشراً عندما أعلن أن إيران تدعم الإرهاب والمتطرفين، كما كان بيان البنتاغون واضحاً في إبراز التعاون العسكري بين واشنطن والرياض، وكذلك محاربة تنظيم «داعش»، علاوة على «التصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة». وبلا شك فإن زيارة ولي ولي العهد السعودي لواشنطن كانت مهمة جداً، حيث استطاع الأمير الشاب أن يحصل من الرئيس الأميركي على اعتراف بأن إيران «تمثل تهديداً أمنياً للمنطقة». تماماً كما هي زيارة العاهل السعودي الآسيوية، والتي ركَّزت على قضايا اقتصادية، وهي الرؤية الجديدة لأمن العالم وتطوير علاقات التعاون بين دوله. ويبدو أن ترامب يسعى إلى دور جديد، يُعيد الولايات المتحدة إلى واجهة الأحداث، كي تتحمل دورها كدولة عظمى، بعد أن بهتت صورتها في عهد الرئيس أوباما الذي حجّم الدور الأميركي، ونأى بالولايات المتحدة عن آلام الشعبين السوري والعراقي، وعن التصدي للإرهاب أيضاً، كما يحاول الرئيس ترامب أن «يُكفِّر» عن مواقفه التي أعلنها خلال حملته الانتخابية ضد المسلمين والملونين، ما شكَّل صدمة كبرى ليس لدول العالم، بل للشعب الأميركي متنوع الأعراق والأجناس، والذي يعتمد التعددية والديمقراطية الجيفرسونية، التي أرست نظاماً متفرداً في العالم. يبدو -كما توقع كتَّابٌ عرب- أن ثمة «صفقة» جديدة يجري التحضير لها، وتشارك فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، لوضع نهاية لمأساة الشعب السوري، وإعادة الأمن والاستقرار في اليمن، وربط إيران بحزمة من القيود تقطع عليها الطريق نحو زعزعة الأمن والاستقرار في جوارها الإقليمي، ولا بد أن تشارك الولايات المتحدة بكامل ثقلها في تلك الصفقة، ليس لاحتواء مشكلات المنطقة فحسب، بل لتأكيد دور أميركي جديد، ولا شك أن الاقتصاد الناجح سوف يساهم كوسيلة أساسية في تطور العلاقات بين واشنطن والدول العربية. وقد لا تختلف الرؤية السعودية -خلال الرحلتين المذكورتين- عن رؤى بقية دول مجلس التعاون الخليجي، من حيث التأكيد على مواجهة الإرهاب والتطرف، والتصدي للجماعات الإرهابية، مهما كان توجهها، وبيان ضرورة كفِّ يد إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، سواء في العراق أم في سوريا أم في لبنان أم في اليمن أم في البحرين! إن الدور السعودي مهم لمنطقة الشرق الأوسط، ولا بد أن تكون دول التعاون الخليجي شريكة فعلية في أية تحركات تخص المنطقة، لأن أمن المنطقة بأسرها مرتبط ارتباطاً عضوياً بأمن دول التعاون.