نجران مدينة جميلة، تقع في جنوب المملكة العربية السعودية، وهي واحة خضراء، تشتهر بتمور نوعي البياض والخلاص اللذين يُعتبران أفضل أنواع التمور في المملكة، وكذلك مختلف أنواع الحمضيات الممتازة. وتشتهر نجران كذلك بأنها مدينة التسامح الديني، حيث يعيش فيها أبناؤها الذين ينتمون إلى مذاهب إسلامية متعددة، ولعله يوجد تعدد مذهبي داخل البيت، أو الأسرة الواحدة. فالجميع يعيش في وئام، وإلى حدٍّ قريب، كانت تعيش في نجران أقلية يهودية، إلا أنها هاجرت إلى صعدة القريبة منها داخل اليمن. وكان يهود نجران مشهورين بالائتمان وصياغة الذهب، قبل أن يشرّدهم الحوثيون من منازلهم في مدينة صعدة. زرت نجران في الأسبوع الماضي، وكانت الدعوة موجهة من تلفزيون «الإخبارية» السعودي، وشاركني في الزيارة بعض الأكاديميين والإعلاميين السعوديين. وأول ما يشد انتباهك في نجران أنها مدينة تعبق بالحيوية والنشاط التجاري، فأهل المدينة يصرّون على البقاء فيها، حتى وإن طالتهم بعض المقذوفات القادمة من الحوثيين الذين يستخدمون جبال اليمن المطلّة على بعض أجزاء المدينة ليطلقوا مقذوفاتهم الصاروخية عليها. وقد هُدّم جزء من مبنى سكني في المدينة في بداية الحرب، ولكن سكان المدينة الذين يعشقون مدينتهم ويحاربون عنها صامدون في مدينتهم. أهل المدينة تأقلموا مع بعض هذه الأحداث، واضطروا في بعض الأحيان إلى هجر المدارس المتاخمة للحدود اليمنية إلى مدارس أبعد منها وأكثر أمناً، وحوّلوها إلى مدارس تعمل على ثلاث فترات، صباحية للمرحلة الابتدائية، وبعد الظهر للمرحلة المتوسطة، ومسائية للمرحلة الثانوية، بحيث لا يقل تحصيل الطالب في كل مرحلة عن ثلاث ساعات كاملة مُركِّزًا على المواد الأساسية من القراءة والكتابة والرياضيات، وعلى أن تتم دراسة بعض المواد المكمّلة الأخرى بعد انتهاء الحرب مع المتمردين الحوثيين وأتباع المخلوع علي عبد الله صالح. وكجزء من الوفد الزائر، فقد زرنا بعض المواقع الحدودية ورأينا كيف يقوم حرس الحدود والقوات المسلحة بعملهم في محاربة ميليشيات الحوثيين، وكذلك مهربي المخدرات على طول هذه الحدود. ومن أجل جمع الأموال لتمويل عملياتهم العسكرية، يقوم الحوثيون بالتعاون مع بعض الأقليات القادمة من أفريقيا لتكوين عصابات مكونة من خمسة إلى سبعة أفراد، ويقوم أفراد هذه العصابات بنقل الحشيش وحبوب «الكبتاجون» إلى مناطق قريبة جداً من الحدود المشتركة، أملاً في تهريبها في فترة لاحقة إلى داخل المملكة لنشرها بين الشباب. وفي العام الماضي، ضبطت قوات حرس الحدود السعودية حوالي 1500 كجم من الحشيش، وكذلك حوالي 32 مليون حبة من حبوب الكبتاجون المخدّر. ويقوم أفراد حرس الحدود بعمل جبّار مع زملائهم من رجال القوات المسلّحة من قوات التحالف العربي، وكذلك القوات الجوية بتنسيق متكامل. وهناك نقاط مراقبة وقواعد عسكرية على طول الحدود، وتوفّر هذه القوات لمنسوبيها كل أسباب الراحة والاطمئنان، لأنهم يدافعون عن الحد الجنوبي الذي يصل طوله إلى حوالي 2500 كلم، مقسّم إلى قطاعات عسكرية عدة. ولدى هذه القوات العتاد والسلاح المتقدم، وأجهزة الإنذار المبكّر. ويتمتع أفراد هذه القوات بمعنويات عالية، كما يساهمون بشكلٍ فاعل في تحريك عجلة الاقتصاد في مدن جنوب المملكة، ومنها مدينتا نجران وجيزان. ويشعر المرابطون في الحدّ الجنوبي بأنهم يمثّلون جميع مدن المملكة وأنحائها، وقد وُفِّرت لهم كل الإمكانات من مسكن ومشرب، وحتى ملاعب رياضية. ومع ذلك، فإنهم يقومون بواجباتهم الدفاعية على أكمل وجه، بينما تقوم قوات الحكومة الشرعية في اليمن، مدعومة بقوات التحالف العربي، بتطهير اليمن بشكلٍ متّئد ومتواصل من الميليشيات الحوثية. وقد وقّع الحوثيون وصالح العديد من الاتفاقات الخاصة بوقف إطلاق النار مع الحكومة الشرعية في اليمن. ولكن قبل أن يجف حبر هذه الاتفاقات، يقوم الحوثيون بنقضها، فقد تعوّدوا على الحرب، لأنها وسيلتهم الوحيدة للسيطرة على شباب اليمن، ونهب ثرواته. والحكومة الشرعية لا تمانع بأن يكون الحوثي وحزبه جزءاً من الكيان السياسي المستقبلي في اليمن، ولكن الحكومة مثلها مثل الشعب اليمني لا تريد أن يكون هذا الحزب الذي يريد إعادة الإمامة، وعميله علي عبد الله صالح حكّاماً وأوصياء على البلاد. فاليمن قد سئم الحوثي ونزقه العسكري، وهو يريد أن يُبعد صالح وطغمته التي نهبت أكثر من 60 مليار دولار من أموال اليمن، عن رقابهم. وهكذا، فإنه يتعيّن على الأمم المتحدة، وممثل الأمين العام إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أن يحمل الحوثيين وقيادتهم السياسية على الانصياع لقرارات الأمم المتحدة، وإيقاف الحرب، وبدء مرحلة السلام والاستقرار والبناء الذي يتطلبه مستقبل اليمن، وهو بناء لا يقوم على التحالف مع عدو اليمن، النظام الإيراني. بل يقوم على تعاون اليمن مع جيرانه من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حتى يحين الوقت لانضمامه إلى هذه المنظمة التي تنشد السلام والإعمار في كل أرجاء الجزيرة العربية. ------------------ * أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود