لا شك في أن اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان احتفالاً للود. فالزعيمان يريدان إعلان بداية عهد جديد في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، ونهاية المشكلات التي كان سببها الرئيس السابق باراك أوباما، حسب ما يزعمان. لكن الحقيقة أكثر تعقيداً. فقد كان الرئيس أوباما ملتزماً حقاً بأمن إسرائيل، لكنه لم يجد بأساً في أن يعلن الاختلافات الأميركية مع الإسرائيليين. وفي الأيام الأولى من إدارته شعر أوباما أن ابتعاده عن إسرائيل يوضح مدى اختلافه عن جورج بوش الابن، وهذا كان هدفاً ضرورياً في وجهة نظره لإصلاح الصورة المهترئة لأميركا في الدول ذات الغالبية المسلمة. ورغبة الرئيس ترامب في أن يوضح اختلاف سياسته مع إسرائيل عن سلفه في المنصب ليست بدعة من الرئيس الجديد. فمند ظهور إسرائيل، وكل رئيس تقريباً فعل شيئاً مشابهاً. والأمثلة كثيرة، فقد شعر رونالد ريجان أن جيمي كارتر لم يفلح في أن يرى في إسرائيل ثقلاً استراتيجياً. أما جورج بوش الأب فقد اعتقد أن ريجان كان مؤيداً لإسرائيل أكثر من اللازم، لذا رأى من واجبه إعادة التوازن في العلاقة. واعتقد بيل كلينتون أن بوش الأب كان متشدداً للغاية تجاه إسرائيل وخفف بشكل مدروس معارضته للمستوطنات الإسرائيلية. وشعر بوش الابن أن كلينتون شغل نفسه أكثر من اللازم بالصراع العربي الإسرائيلي. وهذا النهج استمر في عهد أوباما الذي خرج بالخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى «ضوء النهار»، بانتقاده العلني لسياسة إسرائيل بشأن المستوطنات. وأقدم أيضاً على خطوة غير مسبوقة حين تخلى عن التزام رئاسي برفضه الاعتراف بخطاب بين بوش ورئيس الوزراء السابق أرييل شارون يعترف فعلياً بكتل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقد كان من المفترض أن يحتل هذا الخطاب مكانة بارزة في الاجتماع بين ترامب ونتنياهو. وربما لم يفكر نتنياهو وترامب أصلاً في المستوطنات كموضوع للنقاش في اجتماعهما، لكن اليمين الإسرائيلي وضع القضية على قائمة الأولويات. فأنصار الجناح اليميني الإسرائيلي يشعرون أن الوقت ملائم لإنهاء أي لبس بشأن مستقبل المستوطنات. ورفض هؤلاء موقف نتنياهو من حل قيام دولتين لشعبين وهم مقتنعون أن وجود دولة فلسطينية يشكل تهديداً قاتلاً لإسرائيل. ويعتقدون أيضاً أن أمامهم فرصة تاريخية في عهد ترامب الذي عين سفيراً إلى إسرائيل يعارض قيام دولة فلسطينية. لكنهم في حماستهم ربما يسيئون تقدير اهتمام إدارة ترامب بمواصلة عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فحين أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن 5500 وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية، أصدر البيت الأبيض بياناً جاء فيه «بينما لا نعتقد أن المستوطنات عقبة أمام السلام، فإن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات القائمة فيما يتجاوز حدودها الحالية، لن يساعد في تحقيق هذا الهدف». ومن واقع خبرتي كمفاوض سلام في عهد الرئيس بيل كلينتون، يمكنني القول إن هذا البيان كان من الممكن أن يصدر عن البيت الأبيض في عهد كلينتون. والبيان ببساطة يشير إلى أنه رغم أن المستوطنات في حد ذاتها لا تجعل عملية السلام غير ممكنة، لكن توسعها يجعل متابعة عملية السلام أكثر صعوبة. ولذا شعرت الإدارة بالحاجة إلى تنبيه إسرائيل إلى أنه ليس هناك موافقة مطلقة على المستوطنات، مما يشير إلى اهتمام الرئيس بالسلام أو بالرغبة في عدم إعطاء القضية صدارة وتفضيل اتفاق يقيد نشاط المستوطنات الإسرائيلية. وأثناء إدارة بوش الابن، كان هناك تفاهم على البناء داخل المستوطنات، وليس بناء مستوطنات جديدة. وكان الهدف هو منع إسرائيل من ابتلاع أراضٍ أخرى لبناء مستوطنات، وهو ما يتسق مع بناء المستوطنات في إطار حل قيام دولتين. والرئيس ترامب يقبل هذا المنطق فيما يبدو، وصرح لصحيفة «إسرائيل هيوم» أن «هناك قدراً محدوداً من الأراضي المتبقية. كل مرة تستولون فيها على أرض من أجل مستوطنة يقل ما يتبقى منها. إنني لست الشخص الذي يعتقد أن تقدم المستوطنات أمر جيد للسلام». وهنا يستطيع المرء أن يرى منطق خطاب بوش لشارون الذي قدم أساساً لتقييد المستوطنات، لكنه يعترف رسمياً بأن الحدود النهائية بين الدولتين لن تكون حدود هدنة 1949 أو حدود حرب 1967. فهناك اتفاق في الآراء واسع النطاق في مجتمع السياسة الإسرائيلية على أن حدود الرابع من يونيو 1967 لا يمكن الدفاع عنها، ولا يمكن أن تصبح ضمن أي اتفاق سلام. بالإضافة إلى هذا، طورنا في عام 2000 مع المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين تصورات عن كتل الاستيطان ومقايضات الأراضي لاستيعاب جزء كبير من المستوطنين الإسرائيليين وتعويض الفلسطينيين لتعديل الحدود. ومع استقرار نحو 75 في المئة من المستوطنين الإسرائيليين على نحو خمسة في المئة من أراضي الضفة الغربية، فقد قصد بهذه التصورات كسب ود التيار الرئيسي من حركة الاستيطان. ويستطيع نتنياهو استغلال خطاب بوش إلى شارون للتصدي للجناح اليميني في ائتلافه الحاكم وليوضح للجمهور الإسرائيلي أنه يحقق عدداً من المكاسب الاستراتيجية مع الرئيس الجديد. وهذه المكاسب تتضمن تبني ترامب مواقف تتناقض جوهرياً مع البنود الأساسية في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2234 بشأن المستوطنات وقبول ترامب ابتلاع إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية في أي اتفاق سلام، وإنهاء الخلافات الإسرائيلية الأميركية الرسمية بشأن المستوطنات وإزالة واحدة من نقاط التوتر التاريخية في العلاقات. لكن إذا فرض اليمينيون القضية قبل أوانها فقد تكون النتيجة عكسية لما يريدون، أي التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة يقيد بناء كتل الاستيطان ويسمح لإدارة ترامب أن تزعم أنها غيرت سياستها وحافظت في الوقت نفسه على إمكانية قيام الدولتين. دينيس روس* *مستشار بمعهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما. عن مجلة «فورين بوليسي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»