ها هي معركة اختيار رئيس المفوضية الأفريقية في يناير الماضي 2017، تشد إليها كباراً وصغاراً وتعلن بالفعل عما يشبه صراع الديكة بدءاً من عدم تجديد «ديلاميني زوما» ترشيح نفسها لدورة جديدة، إلى تحفز المغرب للعودة، وطرح أوراقه لصالح هذا أو ذاك، إلى ملامح اندفاع بقية الديكة إلى الساحة للعراك بين كبارهم -ولو نسبياً مثل السنغال وكينيا- وتفاجأ أيضاً بترشح من تشاد بدعم من كبار آخرين، ثم صغار السن في دوائر الصراع مثل غينيا الاستوائية وبتسوانا! وفي الوسط الأفريقي، أساليب ديموقراطية متعددة، تحول دون الصراع الدامي في القضايا العامة، وتجعله صراع «ديكة» أكثر منه صراعاً دولياً، لأن ذلك محكوم أيضاً بإرادات كبيرة أخرى. هذا بالإضافة إلى الاحترام الملحوظ ليس فقط لمجرد القواعد العرفية على الطريقة العربية بقدر ما هو احترام لقواعد «التدوير» أو «المناوبة» شبه القانونية، مثل تداول التمثيل أو المناطق... الخ. وهذا ما لم يفهمه زعيم مثل القذافي في وقته، الذي حسب أنه يستطيع بمساهماته المادية في إقامة الاتحاد أن يستولي على المفوضية ومقرات البرلمان و«النيباد»، أو حتى الاجتماعات العامة، فراحت مؤسسات الاتحاد تعلن في التوجو وموزمبيق وجنوب أفريقيا دون أن تنال ليبيا سوى الاجتماع العام بتاريخ 1999.9.9. وعادت أفريقيا بعد ذلك إلى دائرة التداول وتوازن القوى الإقليمية من جديد. ونشأ مبدأ آخر.. بدا أقرب إلى العرفية، وهو عدم تحكم «الكبار» في المناصب الكبيرة للاتحاد، وبدأ ذلك منذ ابتعد عبدالناصر ونكروما مثلاً عن ترشيح أحد أبناء بلادهما للمنصب عند تأسيس المنظمة، مع إمكان دعمهما لآخرين مثل البداية بـ«ديالو تيللي» من غينيا مدعوماً من سيكوتوري وعبدالناصر نفسه، وحتى جاء «ألفا عمر كوناري»، رئيس جمهورية مالي الأسبق، حديثاً مدعوماً بكتلة دول الربيع الأفريقي. وعلى رغم ما أثير من عرف حول ضرورة الترشيح من دول صغيرة مثل التوجو مرة والجابون أخرى، فإن ذلك لم ينجح عند ضرورة لجم بعض التمردات الجامحة، فلجأت المنظمة مرة إلى سالم أحمد سالم من تنزانيا، ثم كانت قمة التحدي باختيار مرشحة جنوب أفريقيا... القوية دولة وشخصية، ألا وهي «ديلاميني زوما»، وهي التي استطاعت أن تواصل مسيرة «كوناري» رئيس الجمهورية الأسبق، لتصبح وزيرة الخارجية والداخلية والصحة جنوب الأفريقية عوضاً قوياً، بل ورادعاً أحياناً... وتتوج ذلك بالعزم على ترك المنصب على رغم حقها في الاستمرار، استعداداً لترشيح نفسها رئيسة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في 2018 ثم لرئاسة الجمهورية 2019. ولتبقى المعركة قوية بين السنغال وكينيا وتنتهي إلى تشاد. وقد راهنت السنغال على «عودة» المغرب إلى الاتحاد. وراهنت كينيا على توازنات كثيرة بين الأنجلوفون والفرانكفون من جهة، ونشاط «أمينة محمد» وزيرة الخارجية الكينية في ظل نجاحات كينيا في اللعبة الديموقراطية... بل وحملة «أمينة» على المحكمة الجنائية الدولية، والسير بـ«الاتحاد» للاستقرار في وسط أفريقيا (الكونغو) والقرن الأفريقي (الصومال) وجنوب السودان. بهذا دخلت «أمينة» عالم الديوك، وشعرت مجموعة غرب أفريقيا بأن ذلك سيواصل نفوذ جنوب أفريقيا بطريقة أخرى! ويبقى للكبار وحدهم النفوذ، بينما المجموعة الفرانكفونية تشعر بضعف وجودها لفترة طويلة، فانتقل التركيز إلى تشاد، ومرشحها محمد الفقي. وتعتمد المجموعة على أن الجزائر عندئذٍ لن تقاوم بحدة نفس مقاومتها للسنغال الحليفة في نظرها للمغرب على رغم أن المرشح السنغالي شخصية مثقفة ومرموقة في الوسط الأفريقي مثل «عبدالله باتيلي».. وبانتقال صراع «الديكة» إلى الحلبة الفعلية، تقدم المرشح التشادي «موسى فقيه محمد»، وهو رئيس الوزراء الأسبق لبلاده... تسبقه سمعة حيوية في العلاقة مع نيجيريا والكاميرون (أنجلوفون وفرانكوفون) ودور تشاد تجاه السودان، وتفهمه لحالة الإرهاب الصحراوي الممتد من نيجيريا ومالي لبقية بلاد المنطقة، والرضا الفرنسي والأميركي على السواء عن القيادة التشادية، الأمر الذي جعل الدول الصغيرة قادرة على إعادة توازن الموقف مع الكبار... وهذا ما يعطي الخيار التشادي الفخر بوضع نهاية سعيدة لصراع الديكة الذي يخشى البعض من تأثيره أحياناً على بنية الاتحاد. ------------------- * رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية- القاهرة