الثورة التكنولوجية القادمة
يوافق هذا العام الذكرى العاشرة لظهور الهاتف الجوال «آيفون»، وبدء الثورة المجتمعية التي لم يتوقعها أحد، وربما تكون هذه فرصة للتفكير في تأثير التكنولوجيات الثورية القادمة. وقد تم عرض الجهاز لأول مرة خلال مؤتمر «ماك ورلد 2007» من قبل المخترع الراحل «ستيف جوبز»، الذي وصفه بأنه «هاتف محمول ثوري وانطلاقة في وسائل الاتصال بشبكة الإنترنت». ولم يكن جوبز يبالغ؛ فقد كانت الهواتف الذكية بالفعل على الساحة، حيث سبق أن ظهر جهاز البلاك بيري القادر على تشغيل خدمة البريد الإلكتروني عام 2003، بيد أن تركيز الآيفون على المستهلك جلب مستوى من الاتصال إلى الحياة اليومية لم يتوقعه من قبل سوى المديرين التنفيذيين للشركات رفيعة المستوى.
ومنذ إعلان «جوبز» وما تبعه من إصدارات لهاتف الآيفون بعد شهور قليلة، أصبح يتحكم في حياتنا اليومية بصورة مثيرة للدهشة، حيث إن نحو ثلاثة أرباع الأميركيين يمتلكون هاتفاً ذكياً الآن. وأصبحنا نعتمد على هذه الأجهزة للتنقل بين كل جوانب حياتنا تقريباً.
وربما يكون الوقت قد تأخر كثيراً لكي نبتعد عن شاشاتنا: فمن يريد التخلي عن الاتصال الفوري، وقد أصبحت شبكة الإنترنت في متناول أيدينا، ونظام تحديد المواقع في جيبنا، والتصوير الذاتي متاح عند الطلب؟ بيد أنه ربما يكون هذا هو الوقت المناسب للتوقف، وإدراك مدى السرعة التي قلبت بها الهواتف الذكية طرق معيشتنا، والتفكير فيما إذا كان الأمر يستحق وجود نهج متعمد بدرجة أكبر عند وصول الأداة «الثورية» المقبلة؟
لعلنا لم نفكر في انعكاسات الثورة التكنولوجية على القوى العاملة وعلى المجتمع ككل. فالتكنولوجيات التي تدعم الهواتف الذكية، مثل «أوبر»، أضرت بالصناعات وبشرت باقتراب «اقتصاد مزعج يعتمد على العمالة المؤقتة»، حيث تكون المعدلات والساعات والعمالة تتوقف تماماً على أهواء الآخرين.
يستعد الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلات لتولي ليس فقط أمور الحوسبة العميقة، بل أيضاً العديد من الوظائف التي تدعم اقتصادنا. والعصر الوشيك من السيارات ذاتية القيادة قد يجعل السفر أقل تكلفة وأكثر أماناً، وإن كان ذلك سيؤثر أيضاً في ملايين الوظائف.
قبل عام أو عامين، بعد أن بدأت في إدراك الخراب الذي أحدثه هاتفي الآيفون في عاداتي، حاولت الحد من استخدامي بطرق مختلفة طفيفة، حيث قررت مثلاً عدم استخدامه أثناء الأكل وعدم تصفحه بلا هدف عندما أكون مع الأصدقاء. بيد أنه سيصعب التوقف عن استخدام هذه الاختراعات الوشيكة. والقليل من المشاعر المعادية للهواتف الذكية ما زال يتوافق مع مبادئنا الاجتماعية من الأدب وتقدير التركيز الذهني ووقت الآخرين. لكن في اقتصاد مهووس بالنمو ويقدر الكفاءة والوفر في التكاليف ويحتفل بالابتكار من أجل الابتكار.. ليس من المرجح أن يكون هناك دعم لقاعدة تقضي بـ«عدم استخدام الروبوتات في عطلات نهاية الأسبوع» أو لتنظيم يعتبر أن الأشكال الجديدة من الذكاء الاصطناعي يجب أن تترك مساحة للعمل البشري.
لستُ ممن يخشون التكنولوجيا، ولا أقترح العودة بالزمن إلى الوراء، أو منع التغيير أو محاولة الحفاظ على هيكل اقتصادي يعاني عيوباً كثيرة. لكن قد نفكر في التوقف قبل احتضاننا المتسرع للأشياء الجديدة والمثيرة القادمة التي تؤثر فينا. فهل توقعنا التغييرات التي يمكن أن تجلبها هذه الأشياء؟ وهل هناك سبل للتخفيف من الآثار السلبية للثورة التكنولوجية القادمة؟
كريستين امبا
كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرغ نيوز سيرفس»