في أول تصريح له بعد تسلمه منصبه رسمياً كوزير لخارجية الولايات المتحدة الأميركية، قال ريكس تيلرسون إنه يمكن لمسؤولي الوزارة التمسك بآرائهم الشخصية، لكنهم بحاجة للعمل كفريق واحد، ووعد في أول حديث بينه وبينهم، الخميس الماضي، بإحداث تغييرات جذرية في وزارة الخارجية لتمكينها من العمل بفعالية أكبر، كما أكد أن أمن الدبلوماسيين الأميركيين سوف يكون الأولوية الأولى بالنسبة له. وترافق تسلم تيلرسون مهامَّ منصبه الجديد في مبنى هاري ترومان بواشنطن ديسي مع ردٍّ قاسٍ من جانب إيران على الإنذار الذي وجهته لها الإدارة الأميركية الجديدة، حيث قامت بتجربة إطلاق صاروخ باليستي، وقالت إنه لا فائدة من توجيه التهديدات إليها. كما ترافق تسلم تيلرسون منصبه مع حظر ترامب دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى الأراضي الأميركية، مما أثار احتجاجات واسعة داخل الدول الغربية الحليفة للولايات المتحدة قبل الدول المعنية بالحظر. فكيف سيمكن لتيلرسون التعامل مع ملفات السياسة الخارجية الشائكة للإدارة الأميركية الجديدة؟ وهل في مشواره المهني خبرات يمكن أن تسعفه بالتغلب على المصاعب المتوقعة في علاقة بلاده بالقوى الدولية الأخرى المؤثرة؟ ريكس تيلرسون مهندس ورجل أعمال ودبلوماسي أميركي، ينتمي فكرياً وسياسياً لليمين الجمهوري، شغل منصب الرئيس والمدير العام لإحدى أكبر شركات البترول الأميركية، قبل أن يستقيل منها عقب ترشيحه لحقيبة الخارجية في إدارة ترامب، وهو الترشيح الذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي في الأول من نوفمبر الجاري. ولد ريكس تيلرسون في مدينة «ويتشيتا فولز» بولاية تكساس الأميركية عام 1952، ونشط في الكشافة الأميركية حتى حصل في عام 1965 على رتبة «النسر»، أعلى رتبة في برنامج «فتى الكشافة» في الحركة الكشفية الأميركية. ثم التحق بجامعة تكساس في أوستن، حيث نشط في المنظمات الطلابية والأندية الرياضية في الجامعة، قبل أن يتخرج عام 1975 بشهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية. وفي ذات العام بدأ مساره المهني مهندساً للإنتاج في شركة «أكسون» للنفط، ثم أصبح في عام 1989 مديراً لقسم الإنتاج المركزي للشركة في الولايات المتحدة، قبل أن يترأس في عام 1995 شركتي «إكسون اليمن» و«إسو للاستكشاف والإنتاج خورات» التابعتين لإكسون. وبعد ثلاث سنوات عُيّن نائب رئيس شركة «إكسون المشاريع» (CIS) ورئيس شركة «إكسون نفطغاز» المسؤولة عن حيازات «إكسون» في روسيا وبحر قزوين. وحافظ على مناصبه في الشركة الجديدة، بعد اندماج شركتي «إكسون» و«موبايل» عام 1999 تحت مسمى «إكسون موبيل»، والتي أصبحت أكبر شركة بترول أميركية خاصة وسادس أكبر شركة في العالم من حيث الإيرادات. وبعد خمس سنوات أصبح تيلرسون رئيس ومدير شركة «إكسون موبيل»، ليتم انتخابه في الأول من يناير 2006 رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة بعد تقاعد «لي ريموند». وحافظ تيلرسون على موقعه كرئيس تنفيذي ورئيس لمجلس الإدارة، رغم مطالبة البعض خلال اجتماع للمساهمين في مايو 2008، بالفصل بين المنصبين حفاظاً على نظام الضوابط والالتزامات.. لكن أسرة روكيفلر (أكبر مساهم)، والتي حملت لواء تلك المطالبة، لم تحصل على الأغلبية اللازمة لقرارها المقترح، فاحتفظ تيلرسون بجميع مناصبه. واستطاعت «إكسون موبيل» بقيادة تيلرسون الاستحواذ، في عام 2009، على شركة «أكستو إينرجي» الأميركية، وهي منتج رئيسي للغاز الطبيعي، مقابل31 مليار دولار، مما اعتبره البعض أفضل صفقة تمثل «إرثاً بطولياً لتيلرسون» في «إكسون موبيل». كما وقع تيلرسون في عام 2011، نيابةً عن «إكسون موبيل» على اتفاق ضخم مع روسيا للحفر والتنقيب في منطقة القطب الشمالي، مما أسفر عن اكتشاف حقل كبير باحتياطي يصل 750 مليون برميل من النفط الجديد لروسيا. لذلك منحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في عام 2013، «وسام الصداقة»، لمساهمته في تطوير التعاون في قطاع الطاقة. ويقال إن تيلرسون وبوتين يرتبطان بصداقة تمتد أكثر من عشرين عاماً، وقد بدأت في عهد الرئيس الراحل بوريس يلتسين حين كان تيلرسون ممثلاً لإكسون في روسيا، لذلك فهو أكثر شخصية أميركية تفاعلت مع بوتين باستثناء هنري كيسنجر. ومن هنا فقد انتقد تيلرسون العقوبات الأميركية على روسيا عقب تدخلها في أوكرانيا عام 2014. ومن هنا أيضاً فقد شهد مجلس الشيوخ الأميركي جدلاً كبيراً حول تعيين تيلرسون وزيراً للخارجية، وإن تم أخيراً إقرار تعيينه بأغلبية 56 عضواً مقابل 43، حيث كانت علاقته ببوتين موضوعاً رئيسياً للتدقيق والفحص من قبل المشرعين الأميركيين قبل التصويت على منحه الثقة. وأقر تيلرسون، أمام مجلس الشيوخ، بأن الغرب لديه مبررات للقلق من العدوان الروسي، لكنه رفض وصف بوتين بأنه مجرم حرب، كما قال إنه سيقطع أي علاقة له مع «إكسون موبيل» إذا أصبح وزيراً للخارجية. وبالفعل فقد أصبح تيلرسون وزير الخارجية الأميركي الـ69 منذ تأسيس الوزارة بناءً على قانون من الكونغرس عام 1789، باعتبارها المؤسسة الرئيسية المعنية بتسيير الدبلوماسية الأميركية، وباعتبار من يشغل منصب وزير الخارجية مستشاراً رئيسياً للرئيس لشؤون السياسة الخارجية. وإلى ذلك، تمثل وزارة الخارجية مصالح الولايات المتحدة في المجتمع الدولي، وتسيّر برامج المساعدات الخارجية، وتساهم في مكافحة الجريمة الدولية، وتوفر برامج تدريب عسكري للدول الأجنبية، وتقدم خدمات للرعايا الأميركيين في الخارج. وقد عاب الديمقراطيون على ترامب تعيينه تيلرسون، وهو مهندس كل خبراته في مجال النفط وشركات الطاقة، وزيراً للخارجية. لكن ترامب رأى أن خبرة تيلرسون في التفاوض وإبرام الصفقات هي ما يحتاجه مسؤول الدبلوماسية الخارجية. وفي هذا المجال يمكن عقد مقارنة لصالح تيلرسون بين وزارة الخارجية التي يعمل بها 42 ألف موظف وتتبع لها 260 سفارة وقنصلية وبعثة في 188 بلداً، وبين «إكسون موبيل»، وهي شركة أميركية متعددة الجنسيات لها مئات الأفرع في أنحاء العالم ويعمل بها أكثر من 82 ألف موظف. وقال تيلرسون، الخميس الماضي، إنه بصدد إحداث تغييرات جذرية في الوزارة، دون أن يحدد نوعية هذه التغييرات في وزارة لا تخلو من إحباطات وانفصام عن الواقع السياسي. كما لم يعلن تيلرسون إلى الآن تسمية نائبه في الخارجية، والذي تنتظره مهمة معقدة بالنظر إلى «التغييرات الجذرية» الموعودة، وبالنظر إلى أن تيلرسون، الوافد الجديد على السياسة وعلى الوزارة، سوف يعتمد أساساً على نائبه من أجل إزالة الفوضى في الوزارة عقب قرارات وتصريحات ترامب خلال أيامه الأولى في البيت الأبيض. ليس ذلك فحسب، بل أيضاً لإعادة ضبط العلاقات الملتبسة حتى الآن للإدارة الأميركية الجديدة بروسيا وغيرها من الدول الأخرى مثل كندا والمكسيك والصين وأعضاء «الناتو»، وحتى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعالم العربي. فكيف يتعامل تيلرسون، وهو المسؤول الأول في «هاري ترومان»، مع آرائه الشخصية ومعتقداته اليمينية، لصالح روح الفريق «المهني»، في إدارة تفتقر للانسجام والتوافق بين مسؤوليها في العديد من القضايا والمواقف والقرارات.. من إدارة النفط إلى إدارة العلاقات الدبلوماسية؟ محمد ولد المنى