لفترة طويلة من حياتي أحببت فكرة الطاقة النووية. فهذا العلم كان في نظري جميلًا ومستقبلياً ومعقداً، ومحطات الطاقة كانت ضخمة وفخمة. وقد التهمتُ روايات الخيال العلمي التي كانت إحداها تحكي عن مستثمر في المجال النووي ينشئ الحضارة من جديد، بعد أن كاد مذنب يمحو الجنس البشري. وقد نظرت إلى حوادث مثل حادثة جزيرة «ثري مايلز» الأميركية وحادثة «تشيرنوبل» باعتبارها عقبات كأداء فحسب أمام المستقبل النووي. ثم في عام 2011، وقع حادثان. أولهما، حين ضرب تسونامي مفاعل فوكوشيما النووي في اليابان مما أدى إلى عمليات إجلاء واسعة النطاق. وثانيهما، علمت بأن التقدم في الطاقة الشمسية أسرع وأثبت قدماً مما كنت أدرك. والآن أنا مقتنع إلى حد كبير بأن خيالاتي في الشباب عن عالم الطاقة النووية قد لا تتحقق قريباً. والسلامة جزء من المشكلة، ولكنها جزء أصغر بكثير مما يعتقد معظم الناس. فقد تسببت حادثة فوكوشيما في إخلاء منطقة واسعة يبلغ نصف قطرها 20 كيلومتراً حول أكثر المحطات تضرراً، فيما بلغ إجماليه ترحيل 160 ألف شخص. ولكن الأبحاث في الآونة الأخيرة تشير إلى أن رد الفعل ذلك ربما كان مبالغاً فيه، لأن مستويات الإشعاع التي تعرض لها الناس كانت أقل بكثير مما اعتقد كثيرون. وفي الوقت نفسه، يتحسن أيضاً أداء الدول في دفن مخلفاتها النووية. وفنلندا مثلاً تحفر منطقة تخزين في عمق الأرض توضع فيها مخلفات مشعة بأمان لنحو 100 ألف سنة. ولذا، فإن المخاطر النووية على الرغم من جسامتها قد تكون أقل مما يعتقد كثيرون، مقارنة مع الوقود الأحفوري الذي يحول مدناً كاملة إلى حبائل موت مسمم، وي لوث الغلاف الجوي بأطنان من الكربون. كما أن هناك احتمالاً أيضاً لوقوع تسربات هائلة من النفط. ومقارنة بهذا تبدو الطاقة النووية نظيفة إلى حد كبير. وأكبر مشكلة في الطاقة النووية ليست السلامة بل التكلفة. ومن شبه المؤكد أن تظل الطاقة النووية جزءاً هامشياً بين عناصر الطاقة الأخرى، وخاصة في الولايات المتحدة بسبب تكلفتها الكبيرة. وكثير من مصادر الطاقة تحتاج إلى تكلفة ابتدائية صغيرة نسبياً. فكي نزيد حجم الطاقة الشمسية لا يتعين علينا إلا إضافة المزيد من الألواح. كما أن استخراج النفط بطريقة التكسير الهيدروليكي للصخر تكلفته الثابتة منخفضة عن التنقيب التقليدي عن النفط. ولكن التكلفة الابتدائية للطاقة النووية هائلة. فبناء محطة نووية جديدة في الولايات المتحدة يكلف نحو 9 مليارات دولار، أي أكثر ألف مرة من تكلفة حفر بئر بطريقة التكسير الهيدروليكي للصخر، وأكثر ثلاثة آلاف مرة من بناء أكبر محطة لتوليد الطاقة الشمسية في العالم. وجمع 9 مليارات دولار أمر صعب المنال. ومن الصعب جمع المال لمشروعات ذات تكلفة ثابتة عملاقة وآجال بعيدة للسداد، لأن هذا خطر في ذاته. وإذا وقع حادث للمشروع فكل هذه الأموال يمكن أن تذهب أدراج الرياح. وإذا جعلت المنافسة مشروعاً غير اقتصادي في خمس أو عشر سنوات في المستقبل، فسيتكبد الممولون خسائر كبيرة. ومن الصعب للغاية، رسم توقعات لأكثر من عدد قليل من السنوات، خاصة بشأن التكنولوجيات المتنافسة. والخطر الرئيس على الطاقة النووية يتمثل في التقدم السريع في التكنولوجيات المنافسة. فالطاقة الشمسية رخيصة بالفعل وينخفض سعرها كثيراً وتخزينها أصبح أقل تكلفة بكثير أيضاً. وإذا استمر هذا التوجه، فإن المحطة النووية الاقتصادية اليوم ستخرج من المنافسة في بضع سنوات. وبعبارة أخرى فلن تكون هناك وسيلة يغطي بها مالك المحطة التكلفة الثابتة. وفوق هذا، فالمؤشرات لا تشير إلى احتمال انخفاض تكلفة الطاقة النووية. نوح سميث* * أستاذ مساعد للتمويل في جامعة «ستوني بروك» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»