أهمية الزائر والزيارة
جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى جمهورية الهند لكي تتوج سلسلة متصلة من العلاقات التاريخية الطويلة بين الإمارات والهند، تطورت وانصقلت على مدى قرون. وفي ظل ظروف عالمية مناسبة حالياً يمكن للطرفين الاستفادة منها واستغلالها لتحقيق المزيد من المصالح المشتركة.
وتأتي الزيارة الأخيرة في ظل تغيرات كونية كبرى لا تزال في مرحلة التفاعل الذي لم تستقر فيه الأوضاع العالمية بعد. ويمكن تحديد سلسلة من الأهداف الاستراتيجية التي يمكن لها أن تلعب أدواراً مؤثرة في علاقات دولة الإمارات بالهند خلال السنوات القادمة، ترتبط بالطاقة وأسعارها، وبالغذاء والموارد البشرية والدفاع والتصنيع. وتستطيع دولة الإمارات بالذات تطوير هذه الأهداف الاستراتيجية في إطار علاقاتها الفردية مع الهند، لأن الهند أحد الأقطار المهمة حالياً ضمن منظومة دول جنوب آسيا على صعد كثيرة. ولأن الأهداف التي نتحدث عنها مهمة جداً، فإنه لا يمكن تغطيتها في هذا المقال جميعها، خاصة فيما يتعلق بالدفاع الذي سنرجئ الحديث حوله إلى وقت آخر قريب، بالإضافة إلى الموارد البشرية. فبالنسبة إلى الطاقة، من المعروف أن المستقبل الاقتصادي للإمارات يتوقف في جانب كبير منه على تطوير الإنتاج والتصدير من مخزوناتها الضخمة، فمثل هذا الأمر يجعلها مستمرة في التمتع بمستويات دخل عالية للدولة وللمواطنين، ويبقى النفط خط حياة لها. وفي المقابل تشهد الهند تطوراً ونمواً اقتصادياً مشهوداً، ويتوقع لها المزيد، وعليه فهي تحتاج إلى الطاقة حاجة ماسة حالياً ومستقبلاً. وبناء على ذلك، وفي إطار سعي الإمارات الدؤوب لتنويع أسواق مبيعاتها النفطية على مدار العالم، تعتبر الهند سوقاً مثالياً لها لو تمكنت من حجز حصتها من السوق الهندي عن طريق استكشافه العملي والعلمي كسوق مبيعات نفطية من قبل المتخصصين في هذا المجال، ودراسة جدوى تقديم أفضل عروض ممكنة له لتحقيق أقصى مصالح ممكنة. على صعيد الأمن الغذائي، الهند قطرٌ زراعي ورعوي ضخم ومهم، والزراعة والرعي عصب الاقتصاد الهندي، والأيدي العاملة متوافرة ورخيصة، ولدى الهند موارد مستديمة ومتجددة من المياه، لذلك فهي بلد مثالي لتصدير الغذاء إلى دولة الإمارات من نواحٍ عدة، وأهم ما يميز المنتجات الهندية أنها ذات قدرة تنافسية من حيث الجودة والسعر، وهي قريبة جغرافياً من الإمارات ويمكن إيصال بضائعها إليها بحراً بأسعار زهيدة وفي زمن قياسي، ويكفي القول بأن الهند كانت وما زالت مورد غذاء مهماً لسكان الإمارات، لذلك فإن دخول الإمارات المباشر إلى السوق الغذائي الهندي أمر مطلوب كمستثمر ومنتج في هذا السوق ذاته عن طريق امتلاك المزارع والصناعات الغذائية والمراعي والمواشي وتطويرها لإنتاج ما تحتاجه الدولة، ومن ثم تصديرها إلى السوق الإماراتي.
أما بالنسبة إلى التصنيع، فتستطيع الإمارات أن تنشئ وتطور مشاريع صناعية مشتركة ذات مردود اقتصادي مجزٍ لكلا الطرفين، وأن تجعلها أقرب ما تكون إلى الكمال والفعالية والجودة العالية عن طريق التملك المشترك أو الكامل أو الجزئي بمعنى وجود أطراف ثالثة لديها الخبرة الفنية والتقنية، ووفقاً للقوانين الهندية والدولية المتعارف عليها، والقيام بشراء أحدث المعدات التكنولوجية اللازمة، واستخدام اليد العاملة الهندية المدربة. والتجارب من هذا النوع التي يمكن الاستفادة منها كثيرة كتجارب كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان والتجربة الصينية مؤخراً. ومن أوضح التجارب أيضاً التجربة اليابانية القائمة والتجربة الصينية اللتان دخلتا أسواق الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وشرق وجنوب شرق آسيا بقوة، وحققتا فيها نجاحات مذهلة. لذلك، فإن دولة الإمارات يمكن لها استقراء هذه التجارب واستكشاف إمكانات الهند واستعدادها للتعاون، خاصة أن الإمارات ذات مقدرة على الاستثمارات الخارجية الناجحة التي لا بد لها أن تقوم بتنويع مجالاتها والمناطق الجغرافية التي تستثمر فيها.
*كاتب إماراتي