غالباً ما توصف وجبة الصباح، أو الإفطار، بأنها أهم وجبة خلال اليوم، وخصوصاً للأطفال. ورغم أن البعض قد لا يتفق مع هذا التوصيف، أو مع منح مثل هذه المكانة الغذائية المرموقة لوجبة الصباح، إلا أن الرأي السائد بين العاملين في مجال التغذية، يوصي بتناول وجبة في الصباح، إذا رغب الشخص في ذلك، ولكن لا يوجد ضرر مؤكد لمن لا يرغبون. وفي الوقت الذي (تشير) فيه (بعض) الدراسات المسحية المجتمعية إلى أن تناول وجبة الإفطار، يقلل من خطر الإصابة بالاضطرابات الأيضية، المرتبطة بمستويات السكريات والدهون والأملاح في الجسم، ومن خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين، لا زال تأثير وجبة الإفطار على وزن الجسم غير واضح بالقدر الكاف، حيث تتضارب وتتعارض نتائج الأبحاث والدراسات الساعية إلى توضيح العلاقة بين الإفطار وبين زيادة أو نقصان الوزن. وربما يعود هذا التضارب والتعارض، وعدم وضوح تأثير وجبة الإفطار على صحة الفرد، إلى حقيقة أن مكونات هذه الوجبة تتباين وتختلف بين شخص وآخر لحد ما، وبين شعوب وثقافات العالم لحد كبير. ففي الوقت الذي قد يعتبر الفول المدمس هو الطبق الرئيسي في وجبة الإفطار في دولة ما، مثل مصر وبعض دول الشرق الأوسط، نجد أن السمك مكون مهم في وجبة إفطار الشعب الياباني، أو أن أنواع مختلفة من الشوربات طبق دائم في إفطار الأتراك، أو أن مجرد قهوة وأحد أنواع المعجنات الحلوة هي إفطار الشعب الفرنسي، والذي يتناول وجبته الرئيسية في الساعة الثانية عشر ظهرا، أما الإفطار الإنجليزي الشهير فيحتوى غالبا على السجق، والبيض، وقطعة أو أكثر من «البيكن»، بالإضافة إلى البطاطس المهروسة المحمرة في الزبد الطبيعي، مع المربى والعسل، وكوب أو أكثر من العصائر. والملاحظ خلال العقود والسنوات الأخيرة، استمرار التزايد الهائل في شعبية ما يعرف بحبوب الإفطار (Breakfast Cereals)، وهو ما يتضح من حقيقة أن عدد الأصناف والأنواع المتاحة منها في السوق الأميركي مثلاً عام 1970، كان مجرد 160 نوعاً وصنفاً، ولكن مع حلول عام 2012، أصبح عدد أنواع وأصناف حبوب الإفطار المطروحة في الأسواق وعلى أرفف محلات البقالة والسوبر ماركت، يقارب حالياً 5 آلاف صنف ونوع. ويمكن رد السبب في هذا الانتشار الواسع لحبوب الإفطار إلى سببين رئيسين، الأول هو هامش الربح الهائل للشركات المصنعة، والذي يبلغ أحياناً ما يقارب النصف، بمعنى أن نصف ما تدفعه ثمناً لعبوة من حبوب الإفطار، يذهب كربح صاف وخالص للشركة المصنعة، وهو ما حفز تلك الشركات على إغراق الأسواق بأنواع مختلفة وأصناف متنوعة. السبب الثاني خلف شعبية حبوب الإفطار، والتي تصل إلى نسبة أو معدل استخدام يتخطى ال90 في المئة بين الأفراد والأسر في بعض الدول، إلى الاعتقاد الشائع –والصحيح لدرجة كبيرة- بأنها اختيار جيد ضمن نظام غذائي صحي متوازن. ولكن للأسف، وبسبب سعي الشركات المصنعة لاستهداف الأطفال، أصبحت العديد من أنواع حبوب الإفطار المطروحة في الأسواق حاليا، محملة بكميات من السكر، بدرجة جعلتها خطرا صحيا في حد ذاتها. هذا الوضع دفع بإحدى أهم الجهات الصحية الحكومية في إنجلترا (Public Health England) إلى الإعلان نهاية الأسبوع الماضي، أن أطفال اليوم أصبحوا يتناولون نصف الحد الأقصى الموصى به يوميا من السكريات، في وجبة الإفطار فقط، وقبل حتى أن تطأ أقدامهم صفوف الدراسة، في شكل حبوب إفطار مغطاه بالسكريات، أو عصائر محلاة، أو أطعمة توضع في السندويتشات. فمن خلال مسح شمل 200 أسرة، لديهم أطفال بين سن الرابعة والعاشرة، اتضح أن الأطفال يتناولون 11 جراما من السكر في المتوسط، أو ما يعادل ثلاثة مكعبات من السكر الخالص، ضمن وجبة الإفطار فقط. وبهذا المعدل اليومي، يبلغ متوسط استهلاك الطفل الواحد خلال العام، أكثر من 1000 مكعب سكر، يتناولهم خلال وجبة الإفطار فقط، هذا بالإضافة إلى ما يتناوله من سكريات خلال اليوم، وضمن الوجبات الأخرى. هذه الأرقام المفزعة، خرجت من بين أسر وأطفال أحد شعوب العالم الغربية المتقدمة، والمرتفع المستوى على صعيد الثقافة الصحية، فما بالك بمعدلات استهلاك السكريات بين أطفال شعوب العالم الأضعف على صعيد الثقافة الصحية العامة. ومن المعروف والثابت أن تناول كميات كبيرة من السكريات، يعتبر سبباً رئيساً خلف زيادة احتمالات الإصابة بطائفة متنوعة من الأمراض والعلل، بما في ذلك تسوس الأسنان، وزيادة الوزن والسمنة المفرطة، وأمراض القلب والشرايين، وداء السكري من النوع الثاني، والذي يحمل في طياته هو الآخر تبعات صحية وخيمة، وكتالوج من الأمراض والعلل الخطيرة. د. أكمل عبد الحكيم