تتكاثر أحاديث التفاؤل والتشاؤم هذه الأيام في أنحاء مختلفة من العالم. ويعكس التأمل الدقيق أشكالاً مختلفة من هذا وذاك حسب ظروف كل منطقة بل وكل شعب من الشعوب. وبينما يسهل الحديث عن التشاؤم في العالم العربي من دون منازع، فإن أفريقيا يتنازعها الحديث المزدوج عن أبعاد الموقف في هذه القارة العتيدة. فكم تحدثنا مثلاً عن مؤشرات النمو، والديمقراطية والاستقرار في كثير من أنحائها. وكم تألمنا لكثير من أزماتها، خاصة وهي تشارك العالم العربي في عمق بعض المشكلات باعتبارها مشكلات بنيوية لا وقتية. ومن هنا كانت مخاطر التدمير البنيوى أيضاً، للمشاريع الإقليمية أو التنموية الحقيقية أو تعويق مسيرة الدولة الوطنية نحو الاستقرار والبناء. ولست هنا بصدد إعادة الحديث تفصيلاً عما عالجناه وآخرون طوال العام غير السعيد تماماً؛ عام 2016. ولكنا سنحاول التذكير بأكثر المسائل تهديداً، أو إثارة للتشاؤم، حيث لا توحي المقدمات فيها بنتائج مباشرة، وأحدث ما وصلنا في هذا المجال أزمة القمة العربية - الأفريقية في «مالابو» حيث تهدد المكون التاريخي للتعاون العربي- الأفريقي بانقسام شبه جذري بين المجموعة العربية التي تقودها دول الخليج، والمجموعة الأفريقية حول حضور ما يعرف بـ«الجمهورية الصحراوية العربية». والخطورة هنا أن المشكلة مزمنة، وبدأ تهديدها في الماضي أقل مما أصبح الآن أكثر تهديداً، حيث ينتقل التأثير إلى دوائر الأمم المتحدة أيضاً، ويقترب من هذا الموقف أزمة فهم السياسة الأميركية الجديدة، وتمثلاتها المحتملة، سواء بالنسبة للعرب أو أفريقيا. فالرئيس الجديد يهدد برمي الكرة في ملاعب المناطق والأقاليم، ولا يبدو مشجعاً لسياسة المساعدات، أو حتى التدخلات المباشرة، لكن الأكثر أهمية في هذه النوايا هو تركيزه على صياغة الأقاليم وقياداتها الإقليمية التي ستجعل الكثيرين يتسابقون على ولاءات مشبوهة للخارج وليس لشعوبهم. فضلاً عن تضاعف الأزمات الاقتصادية وغيرها. من جهة ثالثة فإن تفاؤلنا السابق عن توفر ظروف الاستقرار هنا أوهناك يحتاج لإعادة النظر، لأن عام 2016 لم يصف مشاكل متفجرة عديدة بقدر ما أطلق من ستر الدخان على تصارعات خطيرة لم تعالج معالجة فعالة، فالقتال مستمر في الصومال بين حركات «الشباب» والحكومة وسط أطماع الآخرين، ونيجيريا لم تقض بعد حوالى العامين للرئيس «بوخاري» على الحركة السلفية الإرهابية المسماة «بوكو حرام»، رغم بعض الأخبار المهدئة، لكنها تستنزف قوة نيجيريا الإقليمية التي برزت في السنوات الأخيرة، وهي حالة أقرب للحالة المصرية في النهاية. وهكذا لو امتد الخط على استقامته فسوف نفتقد صفة الاستقرار في «بوركينا فاسو»، وهذه جامبيا تلحق بها. بل إن قلاقل موزمبيق وجنوب السودان تهدد مناطق كانت تطمع في استقرار حقيقي لمستقبل مبشر لشعوبها. المشكلة الدائمة تتجسد في أن عدداً من الدول العربية يُشكل دائماً طرفاً في كثير من هذه المشاكل حتى في الصراعات الثنائية، فالموقف السوداني مع مصر إزاء «سد النهضة» غير خافٍ، وصراع المغرب والجزائر مؤثر على تشكيل المصالح في الشمال الأفريقي، والكارثة الليبية تلحق الضرر بأوسع منطقة في أفريقيا ممتدة من دول الساحل ومصر، بما يعطل النمو محولاً إياه إلى مجرد مواجهة الإرهاب بالسلاح الليبي. أما أخطر المشاكل الإنسانية فهي ما يُسمى بالهجرة الشرعية وغير الشرعية. فالمشرق العربي يقذف بأهله إلى دول الشمال ليضيفوا للعنصرية الأوروبية عناصر جديدة للكراهية، إلى جانب ما يحملونه من ضيق بأبناء المغارب وغرب أفريقيا خاصة، ويبدو أن تلك الظاهرة هي التي ستصبح الوارث الأكبر لأزمات 2016. من هنا يأتي التشاؤم من أحداث عام 2016، والذي بدأ بقدر من الاطمئنان إلى احتمالات الحلول الديمقراطية، وهشاشة التدخلات الخارجية، لتصبح هذه التدخلات هي الأشد وطأة من جهة، وتنتقل الهشاشة إلى القوى الإقليمية الأفريقية والمنظمات القارية أو العربية، ومن ثم امتد فيروس المعاناة على طول 2016 من جوهانسبرج إلى أقصى شمال القارة.