هل انتهى حقاً عصر الدولة الفلسطينية؟! ربما كان هذا التساؤل هو الأكثر تداولاً، إسرائيلياً، منذ فوز دونالد ترامب بمقعد الرئاسة الأميركية. فبعد فشل التوقعات حول نتائج الانتخابات، تفرغت العديد من وسائل الإعلام للاهتمام بما سيحدث في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل في حقبة ترامب. وبات المحللون والسياسيون الإسرائيليون يكثرون من الحديث عن كيفية تدخل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: هل سيكون ترامب محايداً بين الطرفين كما سبق وأعلن؟ أم أنه سينقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة؟ هل سيعطي ضوءاً أخضر لبناء المستوطنات؟ هل سيعلن نهاية «حل الدولتين».. أم أن هذه كلها وعود انتخابية «لا تساوي أكثر من قشرة ثوم»، كما يرى المحلل السياسي الإسرائيلي «ايتمار آيخنير»؟! وفي ضوء حقيقة أن ترامب متقلب، يمكنه بين ليلة وضحاها أن يغير سياسته، فإن القياس، بناء على تصريحاته أثناء الحملة الانتخابية، لا يستقيم تماماً. فتلك التصريحات كان فيها الكثير من الكلام الذي لا «جمرك» عليه، رغم أنه بدأ حملته الانتخابية بتصريح أعلن فيه أن «أحد الأهداف التي أصبو إلى تحقيقها حال وصولي إلى الرئاسة هو تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها، ولا أعتقد أن هذا يمكن أن يتحقق بتصنيف طرف بالخيِّر والآخر بالشرير». بل زاد في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» مؤخراً: «أرغب في العمل للتوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. سيكون هذا إنجازاً عظيماً». ومع ذلك، تميل آراء المحللين، سواء في إسرائيل وفي الغرب أو حتى في العالم العربي، إلى أن هناك صفات أساسية في ترامب ربما تظهره رئيساً أميركياً مغايراً لسابقيه. فهو يقوم بأمور ويعلن عن مواقف غير متوقعة وبالتالي ما زال هناك، وفقاً لتصريحات إسرائيلية، تخوفات من إقدامه على أمور لا ترى الدولة الصهيونية أنها تصب في مصلحتها. وعليه، يبرز السؤال: هل يسعى الرئيس ترامب لتغيير الانسداد القائم بمعنى: الرغبة والقدرة؟ وفي معرض الجواب بنعم على شق القدرة (إن توفرت الرغبة)، نورد ثلاثة أسباب جوهرية: أولاً: أثبت ترامب أنه يتعامل مع الأمور بشكل مختلف عن السياسيين الذين عادة ما يتهمون بالتلاعب بالكلمات. وهو كان قد قال صراحة بعد فوزه إنه سيسعى خلال ولايته إلى التوصل إلى اتفاق سلام يضع حداً لما أسماه «الحرب التي لا تنتهي أبداً». وبنكهة «رجل الأعمال»، قال بوضوح: «كشخص يبرم الصفقات، أريد إبرام تلك الصفقة المتعذّرة، وأن أقوم بذلك لأجل الإنسانية». وفي سياق «حسبة» رجال الأعمال، يقول المحلل «يوسي ميلمان»: «إنه إنسان مفاجئ، وهذا طابع قد يجعله يدير ظهره لإسرائيل. فهو كرجل أعمال يؤمن بأنه لا توجد وجبات مجانية. وهو يستطيع أن يكون مستغرباً من أن إسرائيل هي المفضلة الكبرى في الدعم الأميركي الخارجي (3.8 مليار دولار سنوياً)، وسيسأل ما إذا كان هذا الاستثمار الكبير سيكون مثمراً بالنسبة إلى المصالح الأميركية؟». أما «دمتري شومسكي»، فيربط الموضوع دولياً، حين يقول: «موقف روسيا في فلسطين أكثر توازناً من الموقف الأميركي. الرئيس الجديد لن يتجاهل حليفه الجديد (روسيا) وعلى ترامب الذي تحدث عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بمفهوم التجارة والصفقات، أن يراعي موقف مَن سيكون شريكه الأقرب في الصفقات الدولية». ثانياً: ترامب رجل طموح، وقد أبدى حلمه بالوصول إلى البيت الأبيض منذ عام 1987 حين قال إنه سيفوز بانتخابات الرئاسة حال ترشحه لها، لأنه يشعر بأن «لديه الفرصة للفوز، حتى يغير حال الولايات المتحدة إلى الأفضل». لذا، يعتقد الكثيرون أن ما فشل فيه رؤساء أميركيون سابقون هو قادر، بطموحه وبمنطق «رجل الأعمال» الطامح إلى الإنجاز، على تحقيقه. وهو الأمر الذي تتخوف منه أطراف صهيونية وإسرائيلية عديدة، وهو أيضاً ما سيجعل التاجر الطموح (ترامب) يدخل التاريخ، وربما الحصول على «نوبل للسلام». ثالثاً: ترامب ليس مديناً لأحد بفوزه. فرجالات الحزب الجمهوري في الغالب الأعم وقفوا ضد ترشحه. وقد استخدم أمواله الخاصة في حملته الانتخابية، لذلك نراه يتمتع بالحرية، والفرصة متاحة له أكثر من أي رئيس إن قرر الرمي بثقله لحل الصراع، وها هم قادة الجمهوريين أنفسهم، ومعظمهم وقف ضده، يزحفون إليه وسيؤيدون جهوده في صراع الشرق الأوسط، خاصة أنه، في الجوهر، لا يعادي إسرائيل. بل إن الديمقراطيين في المجلسين سيرحبون بأي تسوية يتوصل إليها مع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، دون أن ننسى أن العالم بأسره، خاصة الغربي (الرسمي والشعبي)، سيرحب بأي حل يتم التوصل إليه. ترامب يستطيع أن يفعل ما لم يفعله غيره. وعلى أي حال، نحن أمام عقلية تجارية قد تأتي بسياسة تطبيع العلاقات الدولية على مبدأ الشراكة والاستثمار. وبحسب الكاتب الإسرائيلي ««براهام بن تسفي»، فإنه «نظراً إلى أن نظرة ترامب إلى الساحة الدولية تجارية في جوهرها، يمكن القول إن تعاطيه المستقبلي مع الحلفاء أو الخصوم سيكون موضعياً».