الأذان بالكنائس والكنيست
شاهدت على اليوتيوب شماساً مسيحياً عربياً فلسطينياً وهو يرفع الأذان من فوق محراب كنيسته وحوله القساوسة والمصلون المسيحيون العرب. إنه فيديو أرجو أن يراه كل مسلم في العالم ليعيش تجربة التلاحم العربي الإسلامي المسيحي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول دون جدوى طمس الهوية العربية لفلسطين. كان صوت الشماس رخيماً عذباً وهو يردد كلمات الأذان، وكان الخشوع سائداً في أرجاء الكنيسة بين المصلين المسيحيين وهم يستمعون إليه، وكان المشهد بكليته يعلن التحدي لمشروع القانون الإسرائيلي الذي يرمي في جوهره إلى طمس الرموز العربية والإسلامية من مدن فلسطين وبخاصة مدينة القدس تحت ستار «منع الإزعاج» الناتج عن استخدام مكبرات الصوت خارج أماكن العبادة.
لم يكن رفع الأذان في الكنائس العربية علامة التحدي الوحيدة، ذلك أن القانون المستفز للمشاعر العربية والإسلامية أنتج صورة أخرى من التحدي الشديد تمثلت في ترديد صوت الأذان لأول مرة في قاعة الكنيست الإسرائيلي، دعوةً إلى صلاة المغرب، بصوت العضو العربي أحمد الطيبي. لقد قال الطيبي بعد ذلك إن نواب الكنيست العرب كانوا على وشك منع مناقشة القانون داخل الكنيست، غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تدخل ليفشل مساعيهم. من الواضح أن الطيبي على حق وأن نتنياهو هو الذي تبنى الدفاع عن القانون بالفعل. لقد تم عرضه على اللجنة الوزارية بمجلس الوزراء التي أقرته وأحالته إلى الكنيست بعد أن قدمه حزب «البيت اليهودي» الممثل للمستوطنين، وهنا تم تقديم اعتراض من جانب وزير الصحة المنتمي إلى حزب «يهدوت هتوراه» الديني الحريدي، فأعيد القانون من الكنيست إلى اللجنة الوزارية لمراجعة صياغته وضبطه بما يناسب وزير الصحة قبل طرحه مجدداً على الكنيست الذي يجب أن يقره في ثلاث قراءات قبل أن يصبح ساري المفعول. لقد جاء اعتراض وزير الصحة واسمه «يعقوب ليتسمان» على مشروع القانون ليس لموقف مبدئي وليس لأنه سيمنع الأذان، ولكن لأنه يخشى أن تؤدي الصياغة العمومية للقانون إلى منع الصفارات اليهودية التي تستخدم للإعلام عن دخول حرمة يوم السبت. طبعاً جرت محاولات دؤوبة وتجري لإعادة صياغة عبارات القانون بما يسمح باستخدام الصافرات اليهودية لإزالة اعتراض حزب «يهدوت هتوراه» وتمرير القانون في الكنيست. لقد فضحت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي رئيس الوزراء عندما كشفت في تقرير لها أن نجل نتنياهو واسمه يائير كان المحرك الرئيس لمشروع هذا القانون وأنه قام بحملة لجمع توقيعات اليهود في التجمعات السكانية التي يقيم فيها مسلمون ويهود وأنه يلح على والده بعدم التراجع عن القانون وأن والده يتأثر به. لقد اضطر نتنياهو إلى الرد على القناة متهماً إياها بأنها تشن حرباً ضده دون أن ينفي حقيقة كونه متحمساً للقانون. إن أصحاب هذا القانون وفي مقدمتهم نتنياهو يتعللون بأن هذا القانون يهدف إلى منع الإزعاج غير أن هذا التوجه إلى إلغاء صوت الأذان بدأ بعد احتلال القدس الشرقية وتحرك اليهود إلى الاستيطان بها وإقامة المدارس الدينية اليهودية المتطرفة بها. لقد قرر كبار الحاخامات الذين أقاموا هذه المدارس أنه يجب التخلص من الرموز الدينية الإسلامية وأولها صوت الأذان وحرضوا تلاميذ هذه المدارس الداخلية على الاعتداء على المساجد وتحطيم مكبرات الصوت بها. منذ ذلك الوقت بدأت هذه الفكرة تنتشر في أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى أن وجدت في حزب المستوطنين الشريك في الائتلاف الحكومي الكفيل الذي تبناها ووجدت في نتنياهو الراعي الذي يرعاها تحت ذريعة منع «الإزعاج»!