عندما انطلقت الأفراح والزغاريد في معسكر اليمين الإسرائيلي المتطرف لفوز ترامب، بدا رئيس الوزراء نتنياهو أكثر حكمة عندما دعا إلى التريث وأثبت بالفعل أنه أبعد نظراً. فبعد أيام قليلة من فوزه، أدلى ترامب بحديث لصحيفة «وول ستريت جورنال» أحدث صدمة كبيرة في أوساط اليمين الإسرائيلي المتطرف وأثار في الأوساط الأخرى حالة حادة من التهكم على قوى اليمين التي تعجلت الحكم وتوصلت إلى نتائج تتماشى مع ميولها التوسعية. لقد بين ترامب في حديثه المشار إليه، في كلمات موجزة، أنه مهتم بوضع نهاية للصراع والحرب اللانهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه سينجز صفقة السلام الأعظم التي لم يتمكن أحد قبله من إنجازها من أجل مصلحة البشرية. قبل هذا التصريح كانت أفراح وأحكام اليمين المتطرف في إسرائيل تستند إلى تصريحات ترامب أثناء الحملة الانتخابية عن نقل سفارة بلاده إلى القدس، وعن تسامحه بشأن الاستيطان اليهودي في الضفة. بدأ حملة الأفراح كما هو معروف «نفتالي بينيت»، زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي»، المعبِّر عن الأطماع التوسعية الإسرائيلية في الضفة الغربية في حدها الأقصى، فقد انطلق «بينيت» ليعلن بعد الفوز مباشرة أن فكرة الدولة الفلسطينية لم يعد لها مكان، وانطلق معه أقطاب اليمين ليخرجوا خطط التوسع الاستيطاني من الأدراج بعد أن كانت مجمدة تحت ضغط أوباما. في غمرة الفرح والحماس تعجل بينيت التحرك الفعلي نحو أطماعه وقام -ومعه وزيرة العدل «إيليت شاكيد»- بمطالبة نتنياهو بأن يسارع إلى عرض مشروع قانون أعداه يهدف إلى إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية وآلاف البيوت التي أقيمت بدون إذن حكومي، على اللجنة الوزارية للتشريع، غير أن نتنياهو أقنع بينيت أن يعرض اقتراحه أولاً على شركاء الائتلاف في الحكومة، وبهذا هدّأ من قوة اندفاع اليمين المتطرف انتظاراً لانجلاء مواقف ترامب بشكل كافٍ. من الواضح أن تجربة نتنياهو في الترشح وفي الفوز بالحكم قد أكسبته القدرة على التمييز بين الوعود الانتخابية المشتطة التي يطلقها عادة المرشحون للرئاسة لكسب الشعبية، وبين المواقف التي تجبرهم موازين المسؤولية على اتخاذها بعد وصولهم إلى الحكم، لذلك دعا إلى التريث مرتين، الأولى بعد فورة الحماس بفوز ترامب مباشرة والثانية بعد تصريح ترامب المذكور لـ«وول ستريت جورنال»، حيث طالب نتنياهو بعدم الحكم على السياسات المتوقعة على أساس التصريحات الإعلامية والانتظار إلى أن تتبلور السياسات مع إدارة ترامب من خلال الاتصالات الحكومية. المهم بالنسبة لنا كعرب أن بعض أقطاب اليمين حاولوا التخفيف من الأثر الصادم لتصريح ترامب المذكور، بالقول إن الأمر الأهم هو أن فوز ترامب قد وضع نهاية لفكرة فرض حل على إسرائيل من خلال الأمم المتحدة والمؤتمرات الدولية، وأن الفلسطينيين سيسمعون من ترامب عن طريقة واحدة لصنع السلام هي المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وهي الطريقة المفضلة لدى اليمين الإسرائيلي كي ينفرد بالفلسطينيين. من الواضح أن هذه الطمأنة التي أطلقها «تساحي هنجبي» تعني أن أحلام اليمين كانت قد اشتطت وانطلقت بلا حدود في البداية حول إلغاء فكرة الدولة الفلسطينية وضم الضفة وربما طرد الفسلطينيين منها، وأنها بدأت بعد حديث «وول ستريت جورنال» تعي معطيات جديدة. في تقديري أن علينا كعرب ألا ننتظر كثيراً، وأن نبلغ ترامب مبكراً بأن سعيه لمكافحة الإرهاب يقتضي بالضرورة إنجاز حل الدولة الفلسطينية لتجفيف واحد من أهم المنابع السياسية للإرهاب في الشرق الأوسط والعالم.