ثورة «ساندرز».. ومستقبل أميركا
في بداية كتابه الجديد «ثورتنا.. المستقبل الذي نؤمن به»، يصف السيناتور الديمقراطي والمرشح الرئاسي السابق «بيرني ساندرز» انتخابات التجديد النصفي السابقة في الكونجرس الأميركي بأنها كانت «كارثة» لمؤسسة الحزب الديمقراطي الذي أخفق في إثارة حماسة الناخبين، قائلاً: «إن انتخابات التجديد النصفي في عام 2014 كانت صيحة إنذار للحزب الديمقراطي، ولا أتصور أنهم سمعوها!».
ويغلب على كتاب «ساندرز» الجديد أصداء هزيمته أمام هيلاري كلينتون، ومن ثم خسارة الحزب الديمقراطي أمام الجمهوريين. واختتم المؤلف كتابه الذي يقدم روايته لأحداث الحملة الرئاسية التي خاضها في 2016 قبل أسابيع من تغلب دونالد ترامب المفاجئ على هيلاري في الثامن من نوفمبر الجاري، لكن في ضوء ما حدث يكتسب الكتاب أهمية كبيرة، ويبدو وكأنه كان توقعاً لما آلت إليه الأمور. واعتبر «ساندرز» أن السبب الرئيس الذي دفعه لدخول المنافسات التمهيدية في الحزب الديمقراطي هو أن «طريقة هيلاري كانت محاولة للجمع بين مصالح وول ستريت والشركات الأميركية واحتياجات الطبقة المتوسطة الأميركية.. وهي مهمة مستحيلة». ويرى أن ذلك ربما كان أكبر نقاط ضعفها ضد ترامب.
وطوال 450 صفحة، يزعم ساندرز أن قوة حملته ضد سياسة «الوسطية الديمقراطية» التي انتهجتها هيلاري تظهر وجود نهم على مقترحات السياسات الطموحة والدفاع عن قاعدة الناخبين العريضة التي كانت وقوداً لحملته. وكتب «ساندرز»: «إن الأزمة الكبرى التي نعاني منها كدولة ليست المشكلات الموضوعية التي نواجهها وإنما الأزمة الأكثر خطورة هي تقييد تخيلاتنا». ويزعم ساندرز أن الساسة المنتمين للمؤسسة الديمقراطية، وليس فقط هيلاري، لديهم قليل جداً من الروابط بمجتمعاتهم، مشيراً إلى نسبة المشاركة الهزيلة في فاعليات السيناتور «جيان شاهين» أثناء حملتها الانتخابية في عام 2014.
ولفت إلى أنه قبل أسابيع رأي مرشح مجلس الشيوخ عن ولاية أيوا «بروس برالي»، وكتب أن «تصريحاته التي كانت عبارة عن وعود وسطية ديمقراطية فاترة، لم تلق قبولاً لدى الحاضرين في القاعة»، ومن ثم خسر «بارلي» لصالح المرشح الجمهوري «جوني إرنست».
وعلى النقيض، كانت تصريحات ساندرز الخاصة موائمة لمزاج شرائح واسعة من الناخبين الذين قرروا نتيجة الانتخابات العامة. ويبدو وكأن الرسالة الختامية لحملة ترامب، وهي «أن النظام المعطل والفساد والتعامل الشخصي مع نخب الشركات، مقتبسة مباشرة من سيناتور فيرمونت».
وفي فصل طويل حول «إصلاح وول ستريت»، طرح ساندرز أسماء مجموعة كبيرة من الأشخاص، من الديمقراطيين والجمهوريين، قال إنهم دفعوا بسياسات ساعدت على حدوث الركود العظيم، ومن هؤلاء «روبرت روبن» وزير الخزانة الأسبق في إدارة بيل كلينتون، والذي رسخ العلاقات بين وول ستريت ومؤسسة الحكم في واشنطن، ودعا إلى تقليص القيود المالية، و«هانك باولسون»، وزير الخزانة في إدارة بوش الابن، الذي دافع عن تقليص القيود على وول ستريت، و«تيموثي غايتنر»، وزير خزانة أوباما، ورئيس «مجلس الاحتياطي الفيدرالي» الأسبق «ألان جرينسبان» الذي قال عنه ساندرز: «إن الكتب المدرسية المستقبلية ستشير إليه كنموذج لا يجب الاقتداء به في إدارة البنوك المركزية».
ولو أن هيلاري فازت، لكان هذا الفصل أصبح رسالة تذكير بأن الليبراليين خططوا للضغط على هيلاري لكي لا تسمي وزيراً للخزانة له خلفية في وول ستريت. غير أن الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب (ترامب) أوصى بتعيين شريك سابق في مجموعة «جولدمان ساكس» في هذا المنصب.
ولعل من أبرز عوامل خسارة هيلاري وجود فجوة في الحماسة. ويؤكد «ساندرز» على أنه اعتمد على صغار المتبرعين للجان الدعم، في ضوء الحماسة التي أثارتها حملته في تشكيل جموع كبيرة، ورغبته في طرح أفكار جريئة.
وخريطة الطريق السياسية التي يقترحها المرشح السابق كتلك التي وصفها أثناء الحملة الانتخابية، وهي عبارة عن «نظام رعاية صحية وكليات عامة مجانية للجميع». وهو يدعو إلى إصدار مرسوم تنفيذي يحدد الحد الأدنى للأجور عند 15 دولاراً للساعة، وإجراء إصلاحات واسعة في وول ستريت، وإنفاق تريليون دولار على البنية التحتية. ويخصص ساندرز حيزاً من كتابه للتغير المناخي، والدور الذي يلعبه الإعلام في الديمقراطية، وسياسات التجارة الحرة التي كانت لها آثار سلبية على العمال.
ويصف كتاب «ثورتنا» السبل التي يمكن للحزب الديمقراطي أن يمضي فيها للأمام، لكنها ستكون أطول مما كان يبدو قبل يوم الثامن من نوفمبر!
وائل بدران
الكتاب: ثورتنا.. المستقبل الذي نؤمن به
المؤلف: بيرني ساندرز
الناشر: سيمون آند شوستر
تاريخ النشر: 2016