سياسة ترامب ستكون لها تأثيرات وخيمة، ولكنها تأثيرات ستحتاج بعض الوقت حتى تصبح ظاهرة وواضحة. لا بل علينا ألا نتفاجأ إذا ما تسارع النمو الاقتصادي لبضع سنوات في الواقع. لماذا أنا متفائل نسبياً بشأن التأثيرات قصيرة المدى لوضع مثل هذا الرجل السيئ، الذي يستعين بمثل هذا الفريق السيئ، في السلطة؟ الجواب هو خليط من المبادئ العامة وخصائص وضعنا الاقتصادي الحالي. أولاً، المبادئ العامة: فهناك دائماً فرق بين ما هو جيد للمجتمع، أو حتى للاقتصاد، على المدى الطويل، وما هو جيد للأداء الاقتصادي خلال الشهور القليلة المقبلة. وعلى سبيل المثال، فإن عدم اتخاذ تدابير بشأن تغير المناخ قد يعني الحكم على الحضارة بالزوال، إلا أنه حتماً لن يؤدي إلى تراجع إنفاق المستهلك العام القادم. أو لنأخذ، مثلاً، السياسة التجارية، التي تعتبر موضوع ترامب الأبرز، فالعودة إلى الحمائية والحروب التجارية ستجعل الاقتصاد العالمي أكثر فقراً مع مرور الوقت، وستؤدي بالخصوص إلى شل الدول الأكثر فقراً، التي هي في أمس الحاجة إلى أسواق مفتوحة لمنتجاتها، ولكن التوقعات التي تذهب إلى أن تعرفات ترامب الجمركية ستتسبب في ركود اقتصادي لم تكن منطقية أبداً: صحيح أننا سنصدِّر أقل، ولكننا سنستورد أقل أيضاً، وبالتالي فالتأثيرات الإجمالية لذلك على الوظائف ستكون متعادلة عموماً. وإضافة إلى هذه المبادئ العامة، هناك خصائص وضعنا الاقتصادي التي تعني أن إدارة ترامب قد ينتهي بها المطاف، لبعض الوقت على الأقل، إلى القيام بالشيء الصحيح للأسباب الخاطئة. فقبل ثماني سنوات، وبينما كان العالم قد أخذ يغرق في أزمة مالية، كنت قد حاججتُ بأننا دخلنا مرحلة اقتصادية باتت فيه «الفضيلة رذيلة، والحذر خطراً، والاحتراز جنوناً». كنا قد أصبحنا في وضع صار فيه ازدياد العجز وارتفاع التضخم شيئين جيدين، وليسا سيئين. والواقع أننا ما زلنا في ذلك الوضع – ليس بالشدة التي كنا عليها، صحيح، ولكننا ما زلنا نستطيع استخدام مزيد من العجز. والحقيقة أن خبراء اقتصاديين عديدين كانوا يدركون هذا الأمر من البداية ولكن تم تجاهلهم، جزئياً لأن معظم المؤسسة السياسية كان قد أصبح مهووساً بمخاطر الديون، وجزئياً لأن الجمهوريين كانوا ضد أي شيء تقترحه إدارة أوباما. غير أن السلطة الآن أصبحت في يدي رجل لا يعاني قطعاً من فرط الفضيلة أو الاحتراز. فدونالد ترامب لا يقترح خفضاً كبيراً جداً للضرائب لفائدة الأغنياء والشركات لأنه يفهم الاقتصاد الكلي، ولكن خفض الضرائب ذاك سيضيف 4.5 تريليون دولار إلى الديون الأميركية خلال العقد المقبل – أي ما يعادل نحو خمسة أضعاف ما كلّفته سياسة التحفيز خلال السنوات الأولى لأوباما. صحيح أن تقديم مكاسب مالية للأغنياء والشركات التي ربما ستجلس على أموال طائلة يمثل طريقة سيئة لدعم الاقتصاد وتقويته، كما أن لديَّ شكوكي بخصوص ما إن كانت الزيادة الموعودة في الإنفاق على البنى التحتية ستحدث بالفعل. غير أن تحفيزاً عرضياً ومصمَّما على نحو سيئ سيكون مع ذلك أفضل، على المدى القصير، من لا شيء. باختصار، علينا ألا نتوقع أزمة اقتصادية فورية في عهد ترامب. إن سياسة ترامب تمثل أمراً سيئاً للغاية بالنسبة للاقتصاد الأميركي على المدى الطويل، بطريقتين: ذلك أنه حتى إذا لم نواجه ركوداً اقتصادياً في الوقت الراهن، فإن الأمور السيئة تحدث، والكثير يتوقف على فعالية الرد ونجاعته. والحال أننا على وشك رؤية تدهور كبير في كل من نوعية واستقلالية الموظفين العامين. وإذا حدث وواجهنا أزمة اقتصادية جديدة - ربما نتيجة تفكيك الإصلاح المالي - فإن هؤلاء الأشخاص لن يكونوا مستعدين للتعامل معها. وعلاوة على ذلك، فإن سياسات ترامب ستؤدي على الخصوص إلى إيذاء الطبقة العاملة الأميركية، وليس مساعدتها. وسيتضح في نهاية المطاف أن وعوده بإعادة «الأيام القديمة الجميلة» - جعل أميركا عظيمة مجددا - كانت مجرد مزحة قاسية. ولكن كل هذه الأشياء ستستغرق وقتاً على الأرجح. ذلك أن عواقب سياسة النظام الجديد السيئة لن تظهر على الفور. وعلى خصوم ذلك النظام أن يستعدوا للإمكانية الحقيقية المتمثلة في أن أشياء جيدة ستحدث لأشخاص سيئين - لبعض الوقت على الأقل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»