يدٌ تخرج من ضريح!
عجيب أمر بعض من ينسبون أنفسهم إلى الصالحين حين يؤمنون بأن الله أيّد أنبياءه بالمعجزات، وكرّم أولياءه بالكرامات، لكنهم ينكرون على من يقول إن يداً خرجت من ضريحٍ وصافحت أحد زوّاره! والغريب أن هذه الجماعات المعروفة بتحريم العلوم العقلية، كالكلام والمنطق، وبوصم من يخالفها بـ«العقلانية» كأنها فضيحة، فجأة صارت تستدل بالعقل لإنكار الكرامات! بينما الاعتقاد بأن لهذا الكون خالقاً وضع قوانينه، ثم عدم الاعتقاد بقدرته على خرقها لمن يشاء، ضرب من اللاعقلانية فعلاً. والاعتقاد بالمعجزة، ثم إنكار الكرامة، وواهب الاثنين واحد، ماذا يمكن أن يسمى غير أنه لا عقلانية؟!
وهذه الجماعات الغريبة لا يمكنها أن تنكر اعتقادها بالكرامات، إذ كيف تنكر ذلك وأحد كبار رموزها بلغ في الكرامات مبلغاً زعم فيه أن من كرامات الأولياء إحياء الأموات؟! ولأجل التشنيع على خصومها، صارت تغطي على حقيقة اعتقاداتها بالقول إنها حدثت لبعض الصالحين الذين ماتوا منذ آلاف السنين.
وهذه حيلة لا تنم عن ذكاء أصحابها، فما دامت الكرامة تختص بالأولياء والصالحين، فهذا يعني أن من يعتقد بوجودها، واقعٌ في التناقض لا محالة إن أنكر على من يعتقد بحدوثها للأحياء، فما دمت تقول إن الكرامة مختصة بالولي والصالح، فما أدراك أن شخصاً في هذه اللحظة ليس ولياً ولا صالحاً؟! تستطيع نفي صلاح شخص نُسبت إليه كرامة، لكن لا تستطيع إنكار حدوث الكرامة للأحياء مطلقاً، ثم تحمد الله على نعمة العقل!
والغريب والعجيب في أمر هذه الجماعات أنها تنكر كرامة الولي بعد موته، وتؤكد في الوقت نفسه أن من تحسبه شهيداً كانت تفوح منه روائح المسك والعنبر، ولا يكون الإنسان شهيداً إلا بعد موته كما نعرف، إلا إذا كان يمكن أن يكون الإنسان ميتاً ويجري بالكلاشينكوف في الوقت نفسه!
وإلى جانب هذه الجماعات الغريبة، ثمة أقوام يصفون أنفسهم بالعقلانية يرون أن هذه الجماعات هي الأقرب إلى العقل، لمجرد أنهم يتفقون معهم في الاعتراض على الصوفية في مسألة الكرامات. ويبدو أن إخوة العقل هؤلاء لا يشعرون بأنهم يبتعدون عن العقل كلما تماهوا في موقفهم مع الجماعات الأبعد عن العقل، والتي تؤكد أن الوقت ليل ونهار في الوقت نفسه!
وليس جميع إخوة العقلانية على هذه الشاكلة من اللاعقلانية، فثمة فئات منهم يرون أن الكرامات من أسباب تخلف المجتمعات العربية والإسلامية، إذ كيف يمكن أن يدخل المختبر شخص ويجدّ في البحث بينما هو يصدّق أن يداً خرجت من ضريح وصافحت أحد زوّاره؟!
ويبدو أن هذه الفئة من إخوة العقل لا تفكّر في أسباب تقدم الأمم، وأنه ليس من بينها نفي حدوث الخوارق، أو عدم اعتقاد الأمة المتقدمة بأسرها بحدوث أشياء لا تدخل العقل، فهل الأمة الأميركية، وهي الأمة رقم واحد في العالم من حيث التقدم، لا تعرف شيئاً اسمه أشباح؟! ولا تعرف شيئاً اسمه علاج الأمراض المستعصية من خلال بضع كلمات يقولها قس يقف على المسرح؟! وهكذا بالنسبة إلى اليابانيين، والصينيين، والهنود، إلى درجة أنه ليست ثمة أمة لا تعرف مثل هذه الأمور التي لا «تدش» العقل.