قيادة الفريق الانتقالي المعاون لدونالد ترامب، والإشراف على تشكيل حكومته الجديدة، مهمتان أسندهما الرئيس الأميركي المنتخب إلى نائبه مايك بنس، ليقود طاقماً من كبار المسؤولين، مثل بن كارسون (جراح الأعصاب الشهير ومرشح الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري الأخيرة)، ونيوت جينجريتش (الرئيس السابق لمجلس النواب)، ورودي جولياني (رئيس بلدية نيويورك السابق)، ورينس بريباس (رئيس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري)، وكريس كريستي (حاكم ولاية نيوجيرسي)، وبيتر تيل (مؤسس نظام الدفع الإلكتروني «باي بال»)، والمليارديرين بيتر ثيل وريبيكا ميرسر (وهما من أبرز ممولي الحزب الجمهوري)، وبام بوندي (ممثلة الادعاء العام في فلوريدا)، وآخرين مثل الجنرال المتقاعد مايكل فلين، والسيناتور جيف سيشنز، ومستشار رئيس اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري ستيفن بانون. المهمة الأساسية لفريق «بنس»، كما قال ترامب الجمعة الماضية، هي اختيار «المجموعة الأعلى تأهيلاً من القادة الناجحين القادرين على تنفيذ برنامجنا للتغيير في الولايات المتحدة». لكن من هو مايك بنس؟ وما مؤهلاته لقيادة فريق كهذا، ثم الاضطلاع بمهام نائب الرئيس الأميركي؟ مايك بنس سياسي جمهوري محافظ ونائب سابق في الكونغرس عن ولاية إنديانا وحاكمها الحالي. وقد اختاره ترامب مرشحاً لمنصب نائب الرئيس في حملته الانتخابية. وقد ولد «مايكل ريتشارد بنس»، المعروف اختصاراً باسم «مايك بنس»، عام 1959 في مدينة كولومبوس بولاية انديانا، لأبوين من أصول أيرلندية، وتلقى دراسته في «كولومبوس هاي سكوول»، ونال شهادة الليسانس في التاريخ من «هانوفر كوليدج» عام 1981، وشهادة الدكتوراه في القانون عام 1986 من كلية القانون بجامعة «إنديانا روبرت ماكيني». وبعد تخرجه عمل في مجال المحاماة، ثم ترأس في عام 1991 مؤسسة للأبحاث (ذات توجه محافظ) حول سياسة ولاية إنديانا، وشغل عضوية «شبكة سياسة الولاية»، قبل أن يبدأ منذ عام 1994 تقديم برامج إذاعية وتليفزيونية حتى عام 1999. دخل بنس غمار السياسة لأول مرة في أواخر الثمانينيات مرشحاً لعضوية الكونغرس، لكنه فشل في دخوله، ثم استطاع ذلك في نوفمبر 2000، وأعيد انتخابه على مدى 12 عاماً عن الدائرتين الرابعة والسادسة في إنديانا، كما انتخب خلال الفترة بين 2009 و2011 رئيساً لمؤتمر الحزب الجمهوري (ثالث أعلى منصب في هرم قيادة الحزب). وتولى خلال الفترة من 2005 إلى 2007 قيادة «لجنة الدراسة الجمهورية» التابعة لحزبه، ثم شغل منصب حاكم ولاية إنديانا منذ عام 2013. واتسعت سمعته وزاد نفوذه داخل الحزب لدرجة أن اسمه طرح كمرشح جمهوري محتمل لانتخابات الرئاسة عام 2008 ثم عام 2012، لكنه ترشح لمنصب حاكم إنديانا وفاز به عن جدارة. ولعل إحدى اللحظات الفاصلة في حياة بنس كانت يوم 15 يوليو 2016، حين أعلنه ترامب مرشحاً لمنصب نائب الرئيس في حملته الانتخابية، ما عكسته كلمة بنس عقب فوز ترامب بالرئاسة، الأربعاء الماضي، حيث أعرب وسط حشد من المؤيدين عن شكره لعائلته وللفريق الجمهوري ولكل من آزره، وعن امتنان خاص لترامب لاختياره في هذا المنصب الحساس. وعلاوة على الخبرة التي يتمتع بها بنس في كواليس واشنطن، مما يفتقر إليه ترامب ويحتاجه، فإن ترشيحه لمنصب نائب الرئيس لقي ترحيباً من الجناح الإنجيلي اليميني داخل الحزب الجمهوري، لذا فإنه كان فعلاً النائب الذي يبحث عنه ترامب ويناسبه. بيد أن بنس يختلف عن ترامب في مواضيع جوهرية بنى هذا الأخير شعبيته على بعضها، فبنس الذي كان داعماً لتيد كروز في الانتخابات التمهيدية، رفض مقترح ترامب حول منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، واصفاً إياه بأنه «مهين ومخالف للدستور»، كما أنه مؤيد لاتفاقات التجارة الحرة التي يعارضها ترامب. وله أيضاً موقف معادٍ لبوتين وسياسته في سوريا، بما يناقض مواقف ترامب الداعية لتوطيد العلاقات الروسية الأميركية. وإذ يعتبر ترامب أنه كان معارضاً لحرب العراق، وقد هاجم خلال الحملة الانتخابية منافسته هيلاري لتأييدها تلك الحرب، فإن بنس كان داعماً أساسياً لها، وقد عارض سياسة الانسحاب، وطالب بمزيد من التدخل في الشرق الأوسط. ورغم هذه التباينات، يظل بنس يمينياً في حزب يميني، وهو يتقاطع مع ترامب في مواقفه حيال قضايا فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية وبيئية عديدة. فهو يؤمن بالتعاليم الدينية المحافظة، ويرفض «نظرية التطور»، ويؤكد القيم العائلية التقليدية، ويتبنى مواقف متشددة حيال قضيتي الإجهاض والمثلية الجنسية، كما يرفض «الهستيريا الإعلامية والسياسية» حول التغير المناخي ويرى أن الأولوية للاقتصاد وليس البيئة. وكل من بنس وترامب يعارضان الاتفاق النووي مع إيران، ويعتبرانه ضاراً بمصلحة الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. وهما يؤيدان هذه الأخيرة تأييداً مطلقاً ودون تحفظ، ويدعمان حروبها ضد قطاع غزة، ويريان أنه من حقها مهاجمة أهداف في إيران لمنعها من تطوير أسلحة نووية. لذلك لم يفتأ الرجلان يتبادلان عبارات الإعجاب والتقدير، فترامب يصف بنس بأنه رجل خدم «بتميز» في الكونغرس ويتمتع بـ«مهارات المسؤول التنفيذي الموهوب جداً». بينما يؤكد بنس دعمه لأفكار وتوجهات الرئيس الجديد، قائلاً إنه «شخص أدرك إحباطات الأميركيين العاديين بطريقة تذكرنا بالرئيس ريغن»، وإنه لذلك السبب «سيكون زعيماً قوياً يقف بجوار حلفاء أميركا ويدمر أعداء حريتنا»! هذا التوافق في الأفكار والمواقف، ونظرات الإعجاب المتبادلة أيضاً، بين رجل الأعمال الشعبوي وصاحب الشطحات الشهيرة، وبين المشرِّع والسياسي والحزبي وحاكم الولاية صاحب الشخصية الهادئة.. يفسر الإعلان الصادر عن ترامب، الجمعة الماضية، عقب الاجتماع بمعاونيه في البناية السكنية التي يملكها قطب العقارات في مدينة نيويورك. فقد أعلن تشكيل فريقه الانتقالي الجديد، وأعفى من رئاسته «كريس كريستي» حاكم ولاية نيوجيرسي الذي اختاره خلال الحملة الانتخابية، وأسند رئاسة الفريق إلى نائبه مايك بنس، مكلِّفاً إياه بالإشراف على عملية نقل السلطة في البيت الأبيض، وبتقييم المرشحين لأربعة آلاف وظيفة حكومية عليا في الإدارة الجديدة. وانطلاقاً من عمل فريق بنس، سيبدأ ترامب الخطوات الأولى في منصبه الجديد حين يتولى رسمياً مقاليد الرئاسة في العشرين من يناير القادم. وفي ذلك اليوم أيضاً سيبدأ بنس مهامه الدستورية كنائب للرئيس، خلفاً لجو بايدن نائب الرئيس أوباما. لكن المتوقع هو أن يحظى بنس تحت رئاسة ترامب بنفوذ أقوى مما كان لبايدن تحت رئاسة أوباما. فلدى نائب الرئيس الجديد معرفة واسعة بشؤون الحكم، وخبرة في التعاطي مع الحكومة والكونغرس، وله خلفية عسكرية حيث سبق أن خدم كضابط في مشاة البحرية الأميركية، ما يجعله عنصر موازنة و«اعتدال» داخل الإدارة الجديدة، وفي الوقت ذاته مسانداً قوياً للتدخل العسكري الأميركي، عوضاً عن الاكتفاء بالدبلوماسية في حل المشكلات الدولية. وسيكون أداء الفريق الانتقالي برئاسته، مؤشراً حاسم الدلالة في هذا الاتجاه، وتأكيداً آخر لأن «شمس النصر الانتخابي» تذيب أي مواقف أو اختلافات أوجدتها معارك الحملة الانتخابية. محمد ولد المنى