دعونا نتفق أن دونالد ترامب حقق ظهوراً بارزاً في كتاب «لوكاس جريفز» الجديد حول أهمية تدقيق الحقائق، وبالطبع لم يحظ الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً بالثناء. وفي كتابه الجديد الذي نشره في الوقت المناسب، والمعنون: «تقرير الحقيقة.. ظهور تدقيق الحقائق السياسية في الصحافة الأميركية»، يركز المؤلف «جريفز» على ترامب ومدى صدقه. ويشير إلى أن نتائج موقع «بوليتي فاكت» لتدقيق الحقائق حول سباق الرئاسة الأميركية في 2016، تكشف أن خمسة في المئة فقط من تصريحات ترامب بلغت مستوى «نصف الحقيقة»، حتى منتصف عام 2015، وهو معدل أقل بكثير من خصومه السياسيين، ولم يتغير مستوى صدق الحديث في تصريحاته كثيراً منذ ذلك الحين. وأشار «جريفز» في كتابه إلى أن عملية «تدقيق الحقائق» في الصحافة ساعدت في كشف السياسيين الذين يبدون ازدراءً سافراً بالحقيقة، لكنه عزف عن وصم ترامب أو أي سياسي آخر بالكاذب، لافتاً إلى أن مدققي الحقائق لا يستخدمون هذا المصطلح أبداً. وقال: «إن ذلك يقتضي معرفة ما في قلب الشخص». وبينما يتعقب «جريفز» ظهور عملية «تدقيق الحقائق»، يوضح أيضاً انحدار المسار السياسي بثبات نحو التضليل، مؤكداً أن السياسيين يتمسكون برواياتهم للأحداث، التي تعتمد عليها حياتهم المهنية. وبحسب المؤلف، يتقيد حراس البوابات، أو الصحفيون السياسيون اليوميون، بتمسكهم بالموضوعية. وهذه المبادئ الصحافية ربما تكون السبب في أن هيلاري كلينتون في كل مناظرة، كانت تحيل المشاهدين إلى مراجعة الحقائق المدققة بشأن خصمها التي أجراها فريق حملتها الانتخابية. غير أن تأثير تدقيق الحقائق ربما يكون محدوداً بسبب تحزب القراء الذين يفضلون في كثير من الأحيان الأخبار التي تأتيهم عبر «الفيسبوك» لأنها تؤكد آراءهم السياسية الموجودة سلفاً. وفي ثمانينيات القرن الماضي، دقق الصحفيون حول الحقائق في تصريحات «رونالد ريجان»، الذي وصل إلى البيت الأبيض وقد اكتسب سمعة ارتكاب الأخطاء والمبالغة. وعكفت الصحف، خصوصاً «واشنطن بوست»، على التدقيق في تصريحات «ريجان» كافة في المؤتمرات الصحافية، إلى أن أظهر القراء اهتماماً ضئيلاً بدرجة جعلت الصحيفة تتوقف، حسبما أكد «والتر بينكاس»، الذي قال: «إن الأمر متروك للديمقراطيين ليجذبوا الناخبين، وليس لنا، فنحن سننقل تصريحات كلا الطرفين». وعلى الرغم من ذلك، عاد الزخم إلى عملية تدقيق الحقائق في تصريحات المرشحين الأميركيين في عام 1992، إذ أسست كبريات الشبكات التلفزيونية والصحف أقساماً لتدقيق الحقائق في إعلانات السباق الرئاسي بين جورج بوش الأب وبيل كلينتون. وبحلول عام 2004، سخر مسؤول في إدارة جورج بوش الابن من مراسل لكونه «جزءاً من مجتمع يعتمد على الحقيقة»، إذ وصفه بأنه انفصل عن السلطة السياسية لـ«القوى المؤثرة تاريخياً»، التي ترسخ حقائقها الخاصة. وفي عام 2012، تحدث بول كروجمان، الحائز جائزة نوبل، بشأن عصر «ما بعد الحقيقة» في السياسة. ويبدو أن بعضاً من أقوى خصوم تدقيق الحقائق السياسية هم كبار المحررين والمراسلين الذين تدربوا على ممارسة الصحافة بموضوعية، ونقل أخبار كلا الجانبين في أي قضية من دون الميل إلى أي طرف. ويقول «جريفز»: «إن تدقيق الحقائق لم يكن المقصود به تنظيف السياسة»، فهو هدف اعتبره المشاركون في هذه العملية بأنه «ساذج وربما غير ملائم». غير أنه لا يزال هناك حضّ للمراسلين على «الموضوعية المدروسة»، حسبما يشير «جريفز»، لافتاً إلى أن الصحافة تخاطر بأن تصبح أقل ملاءمة كلما تمسكت برؤية غير واقعية لا تتدخل في الأحداث ولا تفسر للقارئ. وائل بدران الكتاب: تقرير الحقيقة.. ظهور تدقيق الحقائق السياسية في الصحافة الأميركية المؤلف: لوكاس جريفز الناشر: كولومبيا تاريخ النشر: 2016