الصحافة الفرنسية
الاستقطاب يهدد بتفكك اليسار الفرنسي.. والخطاب المتدنّي يضر النموذج الأميركي
ليبراسيون
في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون تحت عنوان: «الانتخابات التمهيدية الاشتراكية: أنصار أولاند أصبحوا خاسرين»، قال الكاتب رشيد لعريش إن تنافس قادة الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم من أجل انتزاع بطاقة ترشيح الحزب، ومن ورائه اليسار العريض، لخوض سباق الرئاسيات في العام المقبل 2017، بات الآن محتدماً، وقد ضاقت هوامش الفارق بشدة بين الرئيس فرانسوا أولاند، إن قرر الترشح في النهاية، ومنافسه البارز «أرنو مونتبورج»، الذي ترتفع أسهمه في معسكر اليسار بشكل لافت. وفي الوقت الراهن تبدو حظوظ الرجل الثالث على قائمة الطامحين بانتزاع بطاقة الترشيح، وهو «بنوا هامون»، متأخرة بعض الشيء عن المتنافسين السابقين. ولكن الطريق ما زالت طويلة، وبعض من قد لا يخطرون على البال الآن ما زال في مقدورهم تحقيق المستحيل: ومن هنا وحتى 15 ديسمبر المقبل ما زال متاحاً لمترشحين آخرين الإعلان عن دخول حلبة السباق، وسيتم تنظيم الاقتراع التمهيدي داخل الحزب الاشتراكي لاختيار مرشحه النهائي للرئاسيات في الفترة من 22 إلى 29 يناير المقبل. وقد شهدت الأيام الأخيرة الماضية تحولات واصطفافات جديدة في صفوف ساسة اليسار الفرنسي. وقد زاد الاستقطاب الداخلي الحزبي مؤخراً بشكل لافت، وجعل بعض المراقبين يتابعون -وعلى وجوههم ابتسامة عريضة- مدى استفحال الأزمة التي تجتاح رأس السلطة التنفيذية وخاصة بعد ظهور كتاب حول اعترافات سرية لرئيس الجمهورية أولاند أفضى بها لصحفيين، وبينت كثيراً من مواقفه الحقيقية تجاه بعض رفقائه الحزبيين.
ولكن المشكلة اليوم بالنسبة للاشتراكيين لا تكمن فقط في مآزق الرئيس وتراجع شعبيته بما قد يدفع للتفكير في عدم ترشيحه لولاية ثانية، وإنما هنالك أيضاً استقطاب حزبي آخر يجعل كثيراً من الساسة الاشتراكيين غير متحمسين لدعم ترشيح «مونتبورج». وقد أسرَّ بعض قيادات الحزب بأنهم لن يدعموه حتى لو فاز في اقتراع الانتخابات التمهيدية لنيل بطاقة الترشيح النهائية. وقد أفضى عضو في الحكومة الاشتراكية الحالية للكاتب يوم الأربعاء الماضي بما يلي: «لا شأن لي بآرنو مونتبورج. فأنا أعتقد أنني أقرب بكثير إلى المترشح ميلانشون أكثر من آرنو. وحتى لو فاز في الانتخابات التمهيدية، فسينفجر الحزب الاشتراكي: فيسذهب جزء منه للتصويت للمترشح الآخر ماكرون، في حين يمضي جزء ثانٍ للنضال من أجل دعم ترشيح مستند إلى حصيلة أداء الحكومة الحالية». وحين ذكّر الكاتب وزير الدولة الاشتراكي هذا بقواعد اللعبة المعتادة في الانتخابات التمهيدية، التي تقتضي عادة أن يقف الجميع خلف الفائز، قال له إن «قواعد اللعبة تلك تلزم عادة المترشحين فقط، ولكنها غير ملزمة للناخبين»! وخلال الأسبوع الماضي، يقول الكاتب، صرّح لي -تقريباً- أحد المقربين من رئيس الحكومة مانويل فالس برأي قريب من هذا: «إن على الحزب الاشتراكي أن يصطف خلف فرانسوا أولاند، أو حتى مانويل فالس. وإذا اختارت الانتخابات الحزبية التمهيدية شخصاً آخر فمعنى ذلك بداية نشوب أزمة، وبداية تفكك»، وهذا ما يخشاه أنصار اليسار الفرنسي اليوم، وهم على أبواب حملة انتخابات رئاسية العام المقبل، لا يبدو موقفهم فيها معززاً، ولا حظوظهم كبيرة.
لوفيغارو
في صحيفة لوفيغارو رصدت الكاتبة «أوجيني باستييه» الحملة الشعواء التي تشنها قطاعات من الصحافة الإنجليزية منذ يوم الجمعة الماضي ضد القضاة الثلاثة في المحكمة العليا بلندن، الذين أصدروا حكماً يلزم الحكومة البريطانية بالمرور بالبرلمان قبل الشروع في تفعيل إجراءات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي «البريكسيت». ونقلت الكاتبة ابتداءً عناوين لبعض كبريات الصحف الإنجليزية يوم الجمعة الماضي وردت فيها عبارات من قبيل «أعداء الشعب»، و«الغضب»، و«مؤامرة لوقف البريكسيت»، وقد حاولت هذه الصحف الإيهام بتوليها هي دور الدفاع عن إرادة الشعب البريطاني في وجه ثلاثة قضاة يحاولون ليّ ذراعه، والالتفاف على إرادته، وعرقلة قراره بالخروج من البيت الأوروبي وصك الباب خلفه بقوة. ووصفت بعض هذه الصحف في عناوين مانشيتاتها وواجهاتها الأمامية حكم المحكمة العليا في لندن بأنه «انقلاب دبره القضاة»، ضد نتائج استفتاء 23 يونيو الماضي، الذي تكشّف عن نتيجة لا خلاف عليها، هي أن الشعب البريطاني يريد الخروج من الاتحاد الأوروبي، في النهاية.
بل إن القضاة الثلاثة في المحكمة العليا تم التعرض لهم بكثير من التحامل في أشخاصهم، فقد وصفت «التلغراف» هذا الحكم بأنه «مؤامرة لعرقلة البريكسيت»، مع نشر صورة للقضاة الثلاثة على واجهتها الأولى. هذا في حين لم تتردد صحيفة التابلويد «الديلي ميل» في وصفهم بأنهم «أعداء الشعب» مع إرفاق صورهم أيضاً مع هذا الوصف الجارح، وزادت على ذلك بوصفهم بأنهم قد «أخطأوا بشكل كبير حين قرروا إعلان الحرب على الديمقراطية وتحدي الـ17,4 مليون ناخب، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى نشوب أزمة دستورية»! ووصفت الكاتبة أيضاً تداعيات قرار المحكمة العليا البريطانية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بأنها كانت هي أيضاً حادة وشديدة، حيث تم وصف أحد القضاة بأنه «شاذ بشكل علني». وفي المقابل نقلت عن أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي ردود فعلهم المعاكسة لهذه الحملة، ونقدهم الشديد للإسفاف والخطاب المتطرف والشعبوي الذي انخرطت فيه بعض وسائل الإعلام ضد حكم القضاة. بل إن بعضهم ذكّر بأن صحيفة التابلويد المنخرطة الآن في هذه الحملة، يعرف عنها في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي تأييدها الصريح لهتلر.
لوموند
تحت عنوان: «الانتخابات الرئاسية الأميركية: قضية الإيميلات تزرع الشك حول نزاهة الإف بي آي»، ناقش مقال تحليلي في صحيفة لوموند بعض أبعاد وخلفيات قرار جيمس كومي، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، بإعادة فتح التحقيق في قضية البريد الإلكتروني الخاص بالمرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، في هذا التوقيت بالذات، وتحديداً قبل 11 يوماً فقط من يوم الاقتراع المقرر في 8 من نوفمبر الجاري، وهو ما كان له وقع الصدمة على حملة كلينتون وأنصارها، وأيضاً لدى المراقبين، لجهة احتمال تأثيره السلبي على فرص المرشحة التي كانت حتى ذلك الوقت متقدمة على منافسها الجمهوري، بشكل جعل الجميع -تقريباً- يعتبرون فوزها بالرئاسة محسوماً سلفاً، بل مجرد تحصيل حاصل. وفي هذا السياق قالت الصحيفة إن هذا الدخول على خط السباق الانتخابي من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي يعطي انطباعاً غير إيجابي عن حال الديمقراطية الأميركية الآن. والحال أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب كان أصلاً قد هوى بمستوى الخطاب السياسي خلال حملة الرئاسيات في هذا العام إلى مستويات متدنية للغاية، وهو ما يسيء لأكبر ديمقراطيات العالم. وهذا خطير أصلاً في حد ذاته. وفي عالم تتراجع فيه الحرية في كل مكان، تزداد الحساسية تجاه كل ما من شأنه النيل من نموذجية الديمقراطية كفكرة وممارسة.
ولكن ها هو رئيس الـ«إف بي آي» يضيف إلى متاعب هذه الحملة الانتخابية لمسة نهائية يصعب وصفها بأنها ليست تدخلاً من قبل الشرطة الفيدرالية في المسار الانتخابي. وكان ترامب قد ملأ وسائل الإعلام أصلاً صراخاً حول وجود مؤامرة ورغبة لتزوير الانتخابات لحرمانه من الفوز، حتى بات استشعار وجود مؤامرة فعلاً أمراً عادياً في خطاب الحملة. ومع هذا تقول الصحيفة إنه لا يوجد أيضاً دليل قاطع على أن «كومي»، وهو ذو نفَس جمهوري، أراد متعمداً ضرب فرص كلينتون، وإن كان قراره إرسال إشعار إلى الكونجرس بإعادة فتح تحقيق قد ضرب فعلاً في الصميم حملة المرشحة الديمقراطية، وأتاح لمنافسها العودة في استطلاعات الرأي العام من بعيد، لتضييق الفارق بينه وبين كلينتون.
إعداد: حسن ولد المختار