زيارة إلى كوكب «المشتري»!
مع أن كوكب المشتري هو أضخم الكواكب قاطبة في المجموعة الشمسية، فهو أيضاً أكثرها غموضاً، وبعثة جونو (Juno) التي تحلق هذه الأيام حول هذا الكوكب العملاق المسمى أيضاً جوبيتر (Jupiter) هي حصيلة تحليق دام خمس سنوات عدداً. وكانت «ناسا» حريصة جداً على أن يتوافق وصولها إلى الكوكب (الغازي) مع ذكرى الاستقلال الأميركي. ويعود ارتياد الفضاء في الواقع ليس للأميركيين ولا لأبحاث السلام، بل للحرب حين طور «فون براون» Von Braun الألماني الصاروخ «فاو» واحد V1، واثنين (V2) لضرب العاصمة البريطانية في الحرب العالمية الثانية.
وهنا يضحك التاريخ من حماقات البشر! وكيف أن مسرى التاريخ يمشي وفق نظمه الخاصة، وليس كما يراد له على يد الحمقى ولو كانوا علماء، فلا فائدة من علم بدون حكمة، فالصاروخ الألماني الذي ضرب لندن يوماً ما، هو الذي حلق خمس سنين في الفضاء، ليطوف حول وجهته الجديدة، جوبيتر «أبو الآلهة» في الأساطير اليونانية!
ونفس الشيء في الدرع الفضائية ذات المنشأ الحربي، فقد تحولت إلى ساتلايت لنقل الأخبار عبر آلاف القنوات تلفزيونية بالصوت والصورة. والسلاح النووي الذي هوى فوق رؤوس اليابانيين، أصبح كابوساً مخيفاً يدفع أوباما لشراء ذمة الإيرانيين، مقابل فك 150 مليار دولار لهم، من أجل تأجيل مشروعهم، وشحن اليورانيوم المخصب إلى تركيا والبرازيل!
فالحمقى من البشر يخططون للشر، وإرادة التاريخ تقلبها خدمة مدنية للناس في الأرض. ولأن جوبيتر غاضب في العادة، مغطى بسحب كثيفة، يقذف باللهب، فقد قامت «ناسا» بمحاولة تليين عريكته، بإرسال مركبة باسم زوجته المحبوبة في الأساطير «جونو».
و«جونو» المحبوبة ستغازل جوبيتر ثلاثين مرة، في رقصة من ثلاثين دورة حوله، لتكتشف قبل كل شيء ما هو ما تحت تلك الغيوم والعواصف! حيث تضرب عواصف غاضبة منذ 350 عاماً المنطقة الاستوائية وبسرعة 500 كم/ ساعة، ولو كانت الأرض لم تقم لها قائمة.
ويقول «ستيفن ليفين» من وكالة «ناسا» إن كوكب المشتري هو الأكبر ولكنه الأسوأ، وكل البعثات التي أرسلت إليه أتت بالأسئلة أكثر من الأجوبة. وكل السر أنه كوكب «محتجب» مغلف بسحب صقيع الميثان، وبقوة مغناطيسية هائلة (أكبر من قوة الأرض بعشرين مرة)، ودوران ترى فيه «ناسا» ما يشبه «سوبر دينمو»، فلا أحد يعلم هل ثمة نواة صلبة له في الداخل أم هو غاز في غاز كما هو معروف عنه حتى الآن!
واحتياطاً فقد تصرف العلماء (مما استفادوه سابقاً من بعثة جاليلو) بأن بنوا دماغاً إلكترونياً للمركبة بوزن 14 كلغ، محفوظ بخزانة من التيتانيوم، ومع كل تحليق فإن المسبار سيستريح ويجمع المعلومات ويرسلها للأرض فالإرسالية تحتاج لساعة حتى تعبر الفضاء وصولاً إلى الأرض لقطع مسافة 800 مليون كم.
وكما سبقت الإشارة فالمشتري «جوبيتر» هو أبو الكواكب حجماً، فلو جمعنا كتلة كل الكواكب التي تدور حول الشمس لغابت في بطنه، فهو أكبر بمرتين ونصف منها كلها مجتمعة، وهو أكبر من الأرض بـ318 مرة، وقطره أكبر من الأرض بـ11 مرة (139,882كلم) ولو كانت كتلته أكبر من الحالية بثماني مرات لانقلب شمساً وهاجة، وتبلغ (كتلته تريليونيْ تريليون كلغ)، ودرجة الحرارة فيه 148 تحت الصفر، وهو يبعد عن الشمس خمس مرات بعد الأرض (بالضبط 778,340,821كلم) مقابل الأرض (150 مليون كم)، ولولا الحجاب على وجهه لتحول في السماء إلى القمر في غاية التمام ولم يكن نقطة يبحث عنها كما هو حالياً.
وأهمية هذه البعثة أنها تذكر باكتشاف الشمس ومعطيات علمية كثيرة أخرى، فـ«جوبيتر» كوكب من الغازات سيقص علينا جانباً من تاريخ الكون، ففيه عناصر غازية أولية من الهيدروجين والهيليوم، ومطوق بحزمة من التوابع بعدد 67 كوكباً، لكن توابعه الأهم هي أربعة كواكب اكتشفت قبل ردح من الزمن، هي «كاليستا» و«أوروبا» و«جانيميد» و«أيوا»، ولو يعود الأمر للحجم لكان «جانيميد» أهم في الاعتبار من بلوتو، فقطره أكبر ويبلغ 5262 كلم.
وفي نهاية الرحلة سينتهي لقاء المحبوبين بعد صحبة هنية حتى خريف عام 2017 بتمرد «جونو» عن العودة بعد لقاء الحبيب زوجها الغائب «جوبيتر»، ولسوف تمضي في الالتحام به فيما يشبه الانتحار، فتلقي نفسها في أحضان الفناء.