اشتهر تعبير التكالب الثاني ‏The second Scramble على ?أفريقيا ?منذ ?تحدث ?عنه ?الرئيس ?الراحل «?جوليوس ?نيريري» ?، ?رئيس ?تنزانيا ?عام ?1961، ?وهو ?الطامح في توحيد ?دول ?شرقي ?أفريقيا ?تحت ?قيادته، ?بينما ?الخطط ?البريطانية ?والاستعمارية ?عموماً ?تحول ?دون ?ذلك ?في ?طريقة ?تقسيم ?الدول ?المجاورة ?له، ?منذ ?التكالب ?الأول ?أواخر ?القرن ?التاسع ?عشر، ?ومن ?ثم ?فإن ?سياسات ?النهب ?وتقديم الاستقلال ?المنقوص ?هي ?نوع ?من ?التكالب ?الثاني ?على ?القارة. تذكرت ذلك ونحن نناقش في أبوظبي الذكرى المائة لاتفاق «سايكس بيكو» وتقسيم العالم العربي، في ندوة موسعة أعدتها صحيفة «الاتحاد» (أكتوبر 2016). وتذكرت ساعتها «احتفالات» أفريقية في ثمانينيات القرن الماضي بمرور مائة عام على مؤتمر برلين لتقسيم أفريقيا (1884/1985) بما يشبه القول «أنتم السابقون». ساد في النهاية التسليم نتيجة مداخلات قوية ومدروسة، بأن «سايكس – بيكو» كان مجرد حدث ضخّمه البعض لتحميل التاريخ على واقعة معينة واحدة، وقد يكون ذلك أدى لفكرة تأثير العامل الخارجي أساساً، بينما الضعف والتقسيم كان جارياً في المنطقة بأشكال مختلفة أهمها تفتت دولة الخلافة العثمانية، لأسباب داخلية وخارجية على السواء، أو ما يعتبر التكالب الأول على العالم العربي، وما تبعه من احتلالات أجنبية في مرحلة التكالب الثاني. ونكاد أيضاً أن نكون قد انتهينا إلى أن «الحالة» تعود «لتتلبس» العالم العربي والإسلامي حالياً على النحو الذي نرى، وكأن شياطين النفوذ الأجنبي، والتدمير الذاتي الداخلي لم ترحل من المنطقة منذ أكثر من مائة عام.. ومن ثم بتنا عملياً أمام عملية «التكالب الثالث» على العالم العربي الإسلامي.. بل والخريطة العالمية لاقترانها بعملية العولمة نفسها. لفت نظري في كل ذلك توقف الثقافة السياسية العربية عند الحوار حول مشاكلنا بمدى العلاقة بالغرب والدول الأوروبية فقط، ومن ثم فإن الدروس المطلوب استخلاصها تبقى في كيفية التعامل مع هذه المسألة. العلاقة بالغرب، وفي دوائر إسلامية، هي العلاقة بالعالم المسيحي طبعاً! ويحيلنا ذلك بسرعة إلى استخلاص بسيط – من مدة طويلة - أن أغلبية المفكرين العرب لا يتعاملون إلا مع ذكرى الحروب الصليبية، وأن هذه الحروب لم تنته بعد، وفي ظلها قامت حروب دينية أكدت المعنى، حيث ورثتنا دولة قهرية سميت «الخلافة العثمانية»، التي لم نفهم أية علاقة لها بمفهوم الخلافة الدينية، ثم انتهينا إلى حروب طائفية، أعقبت خلافا أيديولوجية كادت أن تأخذ الطابع الديني نفسه. لم يشأ الفكر السياسي العربي بعد، أن يتصور العالم بطريقة أخرى، كالقول إن السيدين سايكس«و»بيكو«جاءا متأخرين، وهما يمثلان إمبراطوريات تسيطر على أكثر من نصف العالم، وبريطانيا آخذة في التسليم جزئياً لفرنسا في الشمال الأفريقي وشرق آسيا، وجزئياً للأميركيين بشركات البترول الزاحفة على مناطق نفوذها، بل وبخطة لوضع إسرائيل لتساعدها في المواجهات، ومن ثم كان يمكن الانتقال للمقارنة بمناطق أخرى كيف تواجه التقسيم أو الاستعمار أو العنصرية (الصهيونية هنا) أو حتى المفاهيم الكبرى عن الامبريالية، والحداثة...الخ بهذا التوقف عند الحروب الصليبية، التي يبدو أنها تعود بصيغ جديدة – افتقدنا ربطها بالعولمة وآثارها في مختلف المناطق وليس العربية فقط، نتيجة انتشار آليات القوى الناعمة والخشنة، والسيطرة بتدوير الثروة مرة، أو استعمال الثروة لتحقيق السلطة عبر نظام التجارة، الديون، بل والاستثمار...الخ لم نخرج من مفاهيمنا المحاصرة في داخلنا والتعامل مع الخارج، لنقارن بتعاملات أفريقيا أو آسيا مع هذه التطورات، بدءاً بحروب النضال المسلح، أو تعبئة الشعوب وفلاحيها والتعامل مع الحداثة والديمقراطية في آسياً وصولاً إلى التكتلات الكبيرة الاستقلالية التي بدأت منذ مؤتمر باندونج والشعوب الأفرو آسيوية ومجموعة الدول النامية أو ال77 الخ، وهو ما أدى لقوة مجموعة (بريكس) للتصدي لامبراطوريات العولمة، أو تجارب أفريقيا في التوحد أو الترويج الواسع للوحدة الأفريقية (المنظمة ثم الاتحاد)، فإذ خابت نماذج الوحدة الشاملة لجؤوا إلى التنظيم الإقليمي في غرب أفريقيا (إيكواس) أو جنوبها (سادك) أو شرقيها (الكوميسا). وفي بعض هذه الحالات تكاد تأخذنا المقارنة بنمط الفيدراليات (شرقي ووسط أفريقيا)، بما كادت الندوة تناقشه، ولم يتسع لها الوقت على أهمية مفهوم الفيدرالية لمناطق الخليج والمشرق والمغرب وحوض النيل مقابل الوحدة العربية التي لم يبق منها إلا الظلال، وننسى أحياناً أن العامل الاجتماعي، والاقتصاد المحلي، لعب أدواراً بارزة في كل من لأفريقيا وآسيا، لذا لابد من الدراسات المقارنة على المستوى العالمي، لأن حروب التطرف والطائفية الدينية أو الاجتماعية نفسها أصبحت هي صلب السياسات الدولية والإقليمية. المطلوب انتقال الفكر العربي من مرحلة مواجهة»الحروب الصليبية«، التي أصبحت أوسع بمفهوم عولمة الإرهاب نفسه، إلى فكر مقارن، ليس من أجل البحث العلمي فقط، بل من أجل البحث عن العوامل بعيدة الأثر، ومعايير التحالفات الإقليمية التي ما زالت تتعثر عربياً في إطار«الغرب المسيحي»!