العلاقات بين الهند وباكستان كانت صعبةً دائماً، لكن البلدين أخذا يدخلان مؤخراً مرحلة جديدة تتبنى فيها نيودلهي موقفاً يتسم بكثير من الحزم والصرامة إزاء إسلام آباد بخصوص مشكلة تسلل المقاتلين عبر الحدود. فبعد تنفيذها ضربات جراحية ضد منصات إطلاق يستعملها المقاتلون داخل الجزء الباكستاني من كشمير، واصلت الهند جهود عزل باكستان، ليس في المنطقة فحسب، وإنما دولياً كذلك. ولعل أبرز نجاح لهذه السياسة هو عزل باكستان داخل منطقة جنوب آسيا، حيث انسحبت الهند من قمة «رابطة آسيا للتعاون الإقليمي»،التي كانت مقررة في إسلام آباد في نوفمبر القادم. ويذكر هنا أن الأعضاء المؤسسين للرابطة هم بنغلادش وبوتان والهند والمالديف ونيبال وباكستان وسيريلانكا. وقد انضمت باكستان إلى المنظمة في العام 2005، وكان الهدف هو خلق روابط وعلاقات اقتصادية بين بلدان الرابطة. الانسحاب الهندي كان جزءاً من سلسلة تحركات مدروسة ضد باكستان عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعدة للجيش الهندي في كشمير وقُتل خلاله 19 جندياً هندياً. وعند إعلانها قرار الانسحاب من القمة، أشارت الهند إلى أن الهجمات المتزايدة العابرة للحدود في المنطقة، «من قبل أحد البلدان»، خلقت بيئة لا تسمح بعقد قمة ناجحة لـ«رابطة آسيا للتعاون الإقليمي». وعقب الانسحاب الهندي، أعلنت كل من أفغانستان وبنغلادش وبوتان مقاطعتها القمة، كما أعلنت النيبال أن القمة لا يمكن أن تعقد في مثل هذا الجو. وعلاوة على ذلك، شاطر رئيسُ الوزراء السيريلانكي، رانيل ويكريميسينج الذي كان يزور الهند هذا الأسبوع، بواعث قلق نيودلهي بشأن الإرهاب العابر للحدود، مشدداً على ضرورة وقف الإرهاب في المنطقة وعمل الرابطة كتكتل إقليمي على علاج هذه المعضلة. ومن الواضح أن قرار البلدان المجاورة مقاطعة القمة والتصريحات القوية ضد الإرهاب، جاءا نتيجة للدبلوماسية الهندية التي سعت جاهدة لعزل باكستان بسبب ما توجهه إليه الهند من اتهامات بالعمل على إرسال مقاتلين عبر الحدود لتنفيذ هجمات في أجزاء مختلفة من البلاد. كما سعى الدبلوماسيون الهنود، في المنطقة وخارجها، للتشديد على ضرورة تعاون البلدان من أجل التصدي للإرهاب. ويكتسي عزل باكستان، داخل «رابطة آسيا للتعاون الإقليمي»، دلالة مهمة، ويُعتبر مؤشراً على تنامي النفوذ الهندي في المنطقة. كما يُنظر في نيودلهي إلى حقيقة أن بلداناً أخرى في جنوب آسيا أيدت موقف الهند باعتباره نصراً لدبلوماسية نيودلهي النشطة. والواقع أن الهند كانت وما تزال ضحية للهجمات الإرهابية، التي كشفت التحقيقات أن عدداً من التنظيمات الإسلامية المتشددة تقف وراء بعضها. ومازالت العلاقات بين الهند وباكستان تتضرر جراء هذه الهجمات. وكانت عملية السلام التي كان يناقش في إطارها البَلدان المواضيع الخلافية، مثل نزاع كشمير والتعاون الاقتصادي، من بين مواضيع أخرى، قد توقفت منذ العام 2008 عقب هجمات مومباي الإرهابية. وعندما وصل رئيسُ الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة، سعى للتواصل مع باكستان بطرق متعددة، فلم يكتف بدعوة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف إلى حفل تنصيبه، وإنما قام أيضاً بزيارة مفاجئة لباكستان في العام 2015. لكن هجوماً في وقت سابق من هذا العام على قاعدة للجيش في باثنكوت، والآن في أوري، تسببا في تشديد الهند موقفها تجاه باكستان. وجاء قرار الهند عبور الحدود الدولية من أجل تنفيذ ضربات جراحية كنتيجة لزيادة الضغط الداخلي من أجل اتخاذ تدابير حازمة ضد المجموعات المسلحة وقواعدها المتورطة في أنشطة إرهابية في الهند. وهكذا، فإن الهند لم تسمح لقواتها الخاصة بعبور الحدود فحسب، وإنما أعلنت أيضاً، وبشكل صريح، قيامها بذلك. كما أشارت إلى أنها ستستمر في ممارسة هذا الخيار في المستقبل إذا ما تعرضت للاستفزاز. وإذا كانت إسلام آباد قد دخلت في حالة إنكار تام، فإنها أخذت تدرك أن المزاج الدولي الآن يدعم نيودلهي، حيث واصلت الولايات المتحدة الضغط على باكستان من أجل مواجهة الإرهابيين وسط انخراطها المتزايد مع الهند، والذي يشمل قطاعات تبدأ بالدفاع وتنتهي بالتجارة. وكانت واشنطن قد أخذت تتقرب من الهند على خلفية جنوح الصين المتزايد لتأكيد قوتها في المنطقة. وتُعتبر الهند حالياً أسرع اقتصاد نمواً في العالم، كما أن مكانتها في العالم ما فتئت تزداد أهمية خلال السنوات الأخيرة. وفضلا عن ذلك، فإن دبلوماسية نيودلهي القوية الجديدة لم تقتصر على التواصل مع الغرب، وإنما شملت كذلك تركيزاً متزايداً على الشرق الأوسط. ولكل هذه العوامل، كانت جهود الهند الرامية لعزل باكستان فعالة وقد أتت أكلها. ومن الواضح أنه لا حلول سريعة للمشاكل الموجودة بين الهند وباكستان، لكن نيودلهي واضحة بخصوص حقيقة أنه لا يمكنها أن تسعى لإيجاد حلول لهذه المشاكل إلا في جو خال من الإرهاب. كما أنها واضحة بخصوص نيتها مواصلة جهود الضغط على باكستان، التي تشهد بدورها احتجاجا داخليا ضد الشبكة الإرهابية التي يعتقد أنها ترسخت داخل البلاد وتجذرت. د. ذِكْر الرحمن * *رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي