خلال المناظرة التي جمعت المرشحين لمنصب نائب الرئيس مساء الرابع من أكتوبر الجاري، وقع بين مديرة المناظرة والمرشحين «الجمهوري» و«الديمقراطي» حوارٌ قصيرٌ يعكس جيداً الارتباك والغموض اللذين يلفان مهمات عسكرية جديدة قد تقودها الولايات المتحدة في سوريا، ويُظهر نوعاً من الخطاب غير الدقيق الذي يمكن أن يؤدي بسهولة إلى دخول الولايات المتحدة حرباً يعارضها الأميركيون. فبعد مرور قرابة نصف المدة المخصصة للمناظرة، سألت مديرةُ المناظرة «إيلين كويجانو» حاكمَ ولاية إنديانا مايك بانس (عن الحزب الجمهوري) والسيناتور تيم كاين (عن الحزب الديمقراطي) حول الحرب هناك فقالت: «50 ألف شخص، 100 ألف منهم أطفال، محاصَرون في حلب في سوريا اليوم. القنابل المدمرة للملاجئ، والقنابل العنقودية، والأسلحة الحارقة تلقى عليهم من قبل الجيشين الروسي والسوري. فهل تقع على الولايات المتحدة مسؤولية لحماية المدنيين ومنع وقوع إصابات جماعية بهذا الحجم؟». «بانس» شدّد أولاً على ضرورة زيادة عديد الجنود في الجيش الأميركي بشكل كبير، وهو ما يمثّل اقتراحاً سياسياً محيراً في الواقع بالنظر إلى أن دونالد ترامب لا يؤيد نشر أي جنود أميركيين في سوريا، قبل أن يضيف قائلاً: «ينبغي علينا أن نشرع في الانكباب على هذا الأمر بقيادة أميركية قوية». سجال «المنطقة الآمنة» ولكن ما الذي كان يقصده بانس؟ «ما ينبغي على الولايات المتحدة أن تقوم به في الوقت الراهن هو الانكباب فورا على إقامة مناطق آمنة حتى تستطيع العائلات الهشة التي لديها أطفال مغادرة تلك المناطق، والعمل مع شركائنا العرب الآن من أجل تحقيق ذلك». ولكنه لا يوضح في أي مكان داخل سوريا سيتم إنشاء هذه المناطق بشكل فوري، ولا من سيتولى الدفاع عن حدودها من المعتدين، ولا من هم الشركاء العرب، ولا كيف ستضمن هذه القوة الميدانية المجهولة عدم استعمال تلك المناطق من قبل المقاتلين. أما «كاين»، فقد ربط بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكنه قال في النهاية: «بخصوص حلب، قلتُ إننا متفقان بالفعل على ضرورة إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا». غير أنه باتفاقه مع «بانس»، خلط «كاين» مقترح حاكم ولاية إنديانا بخصوص إقامة منطقة آمنة مع مقترحه الخاص بإقامة منطقة إنسانية. والواقع أنه ينبغي أن نعذر المشاهدين العاديين إذا اعتقدوا أنه لا يوجد فرق بين المقترحين، غير أنه بالنسبة للمرشحين، والحملتين اللتين يمثلان، يشكّل هذا خلطاً وإرباكاً لا مبرر له بخصوص السياسة العسكرية، بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الحرب الأهلية السورية، وعلى بعد أقل من شهر على موعد الانتخابات الرئاسية. حظر جوي أم ممرات آمنة؟ والواقع أنه لا يوجد تعريف محدد لـ«منطقة آمنة» في العقيدة العسكرية الأميركية، ولا في عقيدة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، غير أن نوع المنطقة التي يبدو أن «بانس» يحاول وصفها تتعلق أكثر بما يسميه البنتاجون منطقة منزوعة السلاح: «منطقة محددة تُمنع فيها مرابطة قوات عسكرية أو تركيزها، أو إقامة منشآت عسكرية من أي نوع أو الإبقاء عليها». وتنبغي الإشارة هنا إلى أن مثل هذه المنطقة لا يمكن أن تضم، بالتعريف، أعضاء من المعارضة المسلحة. وبالمقابل، فإن منطقة إنسانية من النوع الذي كان يتحدث عنه «كاين» كثيراً ما تكون مرتبطة بالممرات الآمنة، وهي طرق ممنوعة على المسلحين ومحددة للتنقل أو مناطق محددة تستطيع فيها المنظمات الإنسانية العمل من دون تدخل من أجل توفير المساعدة للمدنيين. تعريفات غائبة وزيادةً في الإرباك، قالت «كويجانو» بعد ذلك: «أشرتَ إلى منطقة حظر جوي أيها الحاكم بانس» ثم سألته كيف يعتزم الإبقاء على هذه «المنطقة الآمنة» آمنة. والواقع أن بانس لم يأتِ أبداً على ذكر منطقة حظر جوي، وهي أيضاً منطقة غير معرّفة في عقيدة الأمم المتحدة أو العقيدة العسكرية الأميركية، ولكن المقصود بها عادة منطقة جغرافية محددة تحظر فوقها عمليات عسكرية جوية معينة. ولكن بانس لم يجب بشكل مباشر، لافتاً إلى كيف أن إدارة أوباما «أنتجت اعتداء روسيا». معضلة «الفيتو» ولكن «كويجانوا» لم تستسلم لهذا الجواب وحاولت من جديد: «كيف ستشتغل هذه المناطق الآمنة بالضبط؟». فأجاب «بانس» قائلاً: «المناطق الآمنة ينبغي أن تكون... هناك إطار لهذا الأمر يعترف به المجتمع الدولي. وعلى الولايات المتحدة الأميركية أن تكون مستعدة للعمل مع حلفائنا في المنطقة من أجل خلق طريق للمرور الآمن، ولحماية الناس في تلك المناطق، بما في ذلك باستعمال منطقة حظر جوي». الآن، لنوضح هذا الجواب بإيجاز. إن «المجتمع الدولي» الوحيد الذي يمكن أن يعترف بمثل هذا التدخل في بلد آخر هو مجلس الأمن الدولي، الذي وافق على مثل هذا القرار الذي يؤيد إقامة منطقة حظر جوي في ليبيا في 2011، في إطار الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة. ولكن نظرا لقدرة روسيا على استعمال حق النقض «الفيتو» ضد مثل هذا القرار، باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن، فإنه من شبه الأكيد أن التدخل الذي يقترحه بانس لن يكون «معترفا» به. حماية المدنيين ثم إن «طريقا لمرور آمن» من أجل «حماية الناس في تلك المناطق» يعني ضمنياً أن المدنيين لن يكونوا محميين إلا عندما يكونون في طريقهم إلى مكان ما، في هذه الحالة إلى منطقة آمنة على ما يبدو، ولكن ربما أيضا إلى مكان آخر، مثل نقاط المراقبة الحدودية. كما أنه لا توجد تفاصيل تحدّد موقع تلك الطرق بالضبط، أو – مرة أخرى – مَن من بين «الآخرين في المنطقة» سيسهر على فرض احترام هذه المناطق، أو كيف سيقومون بذلك. هذه المهمة يبدو أنها تشمل استعمالا كبيرا لجنود المشاة، وتحركا ميدانيا، وإسنادا جويا لمواكبة وتأمين قوافل مركبات المدنيين والمركبات الإنسانية. ومما لا شك فيه أنه ستكون ثمة حاجة أيضاً لقوات مستعدة لفرض احترام منطقة حظر جوي فوق الطرق نفسها أو فوق مناطق محمية غير محددة جغرافيا. ولكن بانس لم يقدم أي تفاصيل حول أي من هذه المسائل. الهروب من الإجابات واللافت أيضا أن المرشحين لمنصب نائب الرئيس تحاشيا الإجابة على السؤالين الأهم المتعلقين بالمهمات العسكرية التي كانا يتحدثان عنها، وهما: هل سيشمل فرضُ احترام المناطق الآمنة أو الإنسانية أو مناطق الحظر الجوي مهاجمةَ مصادر عسكرية روسية تهدد أو تخرق تلك المناطق المحظورة؟ وهل سيشمل فرضُ احترام تلك المناطق مهاجمةَ أعضاء المعارضة المسلحة الذين يهددون أو يخرقون تلك المناطق المحددة؟ الواقع أن الكيفية التي سيجيب بها المرشحان على هذين السؤالين هي التي ستكشف ما إن كانا جادين بشأن حماية كل المدنيين من كل أشكال القتل، أو ما إنْ كانا يؤيدان تصعيد الأعمال العدائية بين الجيشين الأميركي والروسي داخل سوريا، أو ما إنْ كانا يدعمان ضمنياً توفير دعم عسكري لمصلحة بعض أعضاء المعارضة المسلحة الملتزمين بإسقاط نظام بشار الأسد. ارتباك واضح ومما لا شك فيه أن التصريحات التي وردت في هذه المناظرة ينبغي فهمها في سياق السياسات التي وُصفت خلال الحملة بشكل عام، ولكن هذا لا يعفيهما من التسبب في قدر كبير من الإرباك. فهيلاري كلينتون قالت في عدة مناسبات إنها تؤيد إقامة «منطقة حظر جوي» و«منطقة آمنة»، مشيرةً إلى أن ذلك «يمنحنا بعض التأثير في مفاوضاتنا مع روسيا» و«تأثيرا إضافيا أبحث عنه في مساعينا الدبلوماسية مع روسيا»، ولكنها لم تقدم أي تفاصيل إضافية. ومن جانبه، لم يشر ترامب أبدا إلى أنه يؤيد إقامة «منطقة حظر جوي»، حيث قال عنها في أكتوبر الماضي: «لا أعتقد ذلك. أعتقد أن ما أريد القيام به هو أنني أريد التريث ورؤية ما سيحدث». مهمات مُرتجلة! وخلاصة القول إن على مديري المناظرات أو المستجوِبين ألا يسمحوا للمرشحين لمنصب القائد الأعلى للقوات بالإشارة إلى مهمات عسكرية مختلفة بشكل مرتجل من دون الضغط عليهما لتقديم تفاصيل حول كيف يعتزمان القيام بذلك. فالمنطقة الإنسانية ليست هي المنطقة الآمنة، والمنطقة الآمنة مختلفة عن منطقة حظر جوي. ذلك أن كل واحدة من هذه المهمات تتطلب مستويات مختلفة من الالتزام العسكري، وحقوق تحليق مختلفة فوق البلدان، ودرجات مختلفة من الدعم الوجيستي والتحليلي. كما أنها ستؤثر على المحاربين في الحرب الأهلية السورية بشكل مختلف. كما ينبغي على المتنافسين الجادين لأعلى منصب في الولايات المتحدة، اللذين يسعيان لقيادة الجيش، ألا يستعملا هذه المهمات العسكرية كما لو كانت مترادفات لشيء واحد، وبدون اعتبار لكلفتها وعواقبها المحتملة. أما إذا فعلا، فينبغي على وسائل الإعلام في تلك الحالة أن تساعد الأميركيين، الذين سيتعين عليهم تنفيذ أي عملية يأمر بها القائد الأعلى المقبل للقوات، على تحديهم ومحاسبته على هذا الأمر. *باحث أميركي، زميل «مركز العمل الوقائي» بمجلس العلاقات الخارجية في نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» إذا كان المرشح لمنصب نائب الرئيس على بطاقة «ترامب» يتحدث باسم زميله في السباق بالفعل، فيمكن القول إنه أعلن عن سياسة جديدة لحملة ترامب في المناظرة. ويذكر هنا أن ترامب كان قد قال في وقت سابق إنه يؤيد إقامة «منطقة آمنة للناس... حتى يستطيعوا... العودة إلى من حيث أتوا». ميكا زينكو*