كان هناك كثير من الأشياء الجديرة بالذكر، التي تعلمناها خلال هذه السنة الانتخابية الأميركية، أهمها أن الحزب الجمهوري بصورته الحالية، غير صالح لقيادة البلاد، لأنه لم يتمكن من اجتياز أهم اختبار يمكن لقائد أو لحزب أن يواجهه، وأخفق في ذلك إخفاقاً ذريعاً. فالحزب الجمهوري خلال هذه السنة، تخلى عن مبادئه، بسبب مزيج من الجبن والانتهازية، وعمل على أن يضع في البيت الأبيض، رجلاً يمثل أخطر تهديد للولايات المتحدة والديمقراطية، منذ الحرب الأهلية الأميركية. وربما يكون الشيء الأكثر كشفاً عن حقيقة وضع الحزب، كونه قد عمل في سياق ذلك، على هندسة انتحاره الذاتي. فالحزب لم يرفض فحسب إنقاذ البلاد، ولكنه أثبت أيضاً أنه عاجز تماماً، وغير كفؤ للغاية، وخائف بدرجة مبالغ فيها، حتى عن إنقاذ نفسه. ولكن هل أعضاء الحزب هؤلاء هم الناس الذين يفترض أننا سنضعهم في موقع المسؤولية في مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، لسنتين إضافيتين؟، والذين يفترض أن نحتشد وراءهم في المعركة من أجل البيت الأبيض عام 2020؟ السنوات المقبلة ستحتاج إلى بعض الشجاعة -ليس في صورة خطب عنيفة يتفوق فيها السياسيون الجمهوريون عادة، وإنما في صورة جهد عنيف وصعب سياسياً- فيما يتعلق بالاستحقاقات، والهجرة، وبشكل أكثر تحديداً بشأن السياسة الخارجية والدفاع. لقد كان الجمهوريون قادرين دوماً على إقناع الآخرين بأن سياسة الأمن القومي هي نقطة قوّتهم، فهل ما زالوا قادرين على ذلك؟ لقد افتقد النواب الجمهوريون الشجاعة الكافية، لتحدي ترامب بشأن سياساته الخارجية كما عبر عنها في حملته، وخانوا الكثير من المبادئ الجمهورية الجوهرية، ولم يمتلكوا درجة الصلابة الكافية لمواجهة ترامب بشأن الكثير من مواقفه المتعلقة بالأمن القومي، والتي كانت من نواحٍ عديدة أشد ضعفاً من مواقف أوباما، التي لا يتوقفون عن مهاجمتها. إن هؤلاء هم القادة السياسيون الذين يفترض أنهم سيتصدون للرجال الأقوياء الحقيقيين في موسكو وبكين، والذين لم يتمكنوا من التصدي لهذا السلطوي المنتظر الذي يعتمد علىالبلطجة -ترامب- وكان كل ما استطاع عمله هو سرقة عدد قليل من ناخبيهم. هؤلاء هم الرجال الذين أحجموا عن المخاطرة بمجرد خمس نقاط في انتخاباتهم التمهيدية، للحيلولة بين هذا الرجل وبين محاولة أن يصبح قائداً عاماً، وكانوا على استعداد للإضرار بالمصالح القومية للولايات المتحدة -كما عرفوها بأنفسهم- لتجنب سباق انتخابي متقارب.. هل هؤلاء هم الرجال والنساء الذين سنعهد إليهم برفاهية الأمة؟ الشاهد الآن أن المرشحة الديمقراطية الحالية تتبنى موقفاً بشأن الأمن القومي، لا يقل صلابة بحال عن موقف معظم الجمهوريين. وليس هذا فحسب، بل إنها بالتأكيد أشد صلابة في هذا الشأن من المرشح الجمهوري الحالي، وهو سبب من ضمن الأسباب التي جعلت الكثير من المسؤولين الجمهوريين يبادرون بالتصدي لترامب، أو الذهاب حتى لدعم هيلاري بشكل صريح. وبصرف النظر عما قد يعتقده المرء بشأن المزايا النسبية للحزبين الكبيرين، فإن ما يمكن قوله في هذا السياق على الأقل هو أنه: في الدورة الانتخابية الحالية، كان الجمهوريون وليس خصومهم هم الذين عملوا، وما زالوا يعملون، من أجل تسليم البلد لشخص، يعرفون في قرارة أنفسهم أنه سيمثل كارثة على الأمن القومي للبلاد. وليس هناك شك في أن الجمهوريين يأملون أنه سيُغتفر له، وسُينسى كل ما قاله بمجرد انتهاء الانتخابات. وأنهم يستطيعون بعد ذلك البدء من جديد، والشروع في جولتهم التالية من الهجمات، وحشد الأنصار الأوفياء، والاستعداد للحملة الانتخابية التالية، والتعامل مع الأمر برمته على أنه كان مجرد كابوس! ربما سيكون هناك عدد كافٍ من الناخبين، الراغبين في مكافأة هذا النوع من الشجاعة السياسية الأصيلة، الكافية في حد ذاتها لإحداث الفارق. وعندما يأتي هذا اليوم، فإن عملية إصلاح الحزب الجمهوري وتجديده، يمكن أن تبدأ بالفعل. روبرت كاجان* * زميل رفيع في معهد بروكنجز عمل في وزارة الخارجية الأميركية من 1988-1984 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»