شهدت مدينة نيويورك خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة نشاطاً واسعاً حول القضية الفلسطينية، والسؤال هو ما التوقعات بشأن القضية في ضوء هذا النشاط. تقتضى الإجابة أن نلقي الضوء على الخطب التي ألقاها الزعماء العرب من على المنصة لنقارن بين مضمونها ومضمون الخطاب الذي ألقاه نتنياهو. لقد جاءت الخطب العربية من مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والسلطة الفلسطينية وغيرها من الدول العربية مخلصة في سعيها للسلام على عكس خطاب نتنياهو الذي عكس ميله للمراوغة والتهرب. تميزت الخطب العربية بالمباشرة وطرق باب الحل، وذلك بمطالبة إسرائيل بوقف سياسة الاستيطان والعدوان على المقدسات الإسلامية في القدس والقبول بحل الدولتين ومقابلة اليد العربية الممدودة بمبادرة للسلام الشامل منذ عام 2002 بإيجابية، بالإضافة إلى هذا التوجه العربي الموحد اتهم عباس إسرائيل بتدمير إمكانيات حل الدولتين بالاستيطان، وأعلن الرئيس الفلسطيني أنه سيتوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي وعبر عن أمله في ألا تستخدم الولايات المتحدة «الفيتو» ضد القرار. من الواضح في هذه النقطة أن الأخبار المتواترة عن احتمال قيام الرئيس أوباما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية بمبادرة لفرض حل الدولتين قد شجعت الرئيس عباس على مطالبة الإدارة الأميركية بعدم استخدام «الفيتو»، ومما يدل على ذلك أن بعض المصادر الفلسطينية تحدثت عن احتمال تقديم المشروع لمجلس الأمن بعد الانتخابات الأميركية بعد أن يصبح أوباما متحرراً من الضغوط الانتخابية. لقد رد نتنياهو على هذه النقطة في خطابه الذي ألقاه بعد خطاب عباس قائلاً إن الحل يأتي عبر المفاوضات المباشرة وليس عبر نيويورك، ولجأ إلى المراوغة والتهرب من مشكلة الاستيطان بمخاطبة عباس قائلاً أمامك خياران: الأول أن تواصل ما فعلته بخطابك اليوم، وهو تأجيج الكراهية، والثاني أن تحارب الكراهية، وأن تعمل معي على إقامة سلام بين بلدينا. بعد ذلك أمعن نتنياهو في التهرب من مشكلة الاستيطان عندما قال إن النزاع ليس حول المستوطنات، ولم يكن كذلك على الإطلاق، لكنه كان دائماً حول وجود الدولة اليهودية. هنا يبدو نتنياهو كمن فقد الذاكرة متعمداً بتجاهله لحقيقة الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل في اتفاقيات أوسلو. إنه يتلاعب بذاكرة المجتمع الدولي ليتهرب من مسؤوليته عن الاستيطان المخالف للقوانين الدولية. ولكي يطمس نتنياهو، الشهير ببراعته الخطابية، المشكلة فقد عرض على عباس الحضور إلى الكنيست لمخاطبة الشعب الإسرائيلي، مؤكداً مناورته اللفظية التي يعترف فيها بحل الدولتين للتغطية على مخالفات دولة الاحتلال. أيضاً تطرق عباس إلى جانب آخر حيث طالب بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطيني على قيامها بإصدار وعد بلفور الذي أعطى وعداً لليهود بوطن قومي في فلسطين، وقد رد نتنياهو على هذه النقطة ساخراً بقوله لقد جاء وعد بلفور قبل مائة عام، وما زال الفسلطينيون مشغولين بالماضي، وكان من الأفضل لهم مقاضاة إيران لقيام ملكها قورش عام 539 قبل الميلاد بإصدار فرمان بعودة اليهود من السبي البابلي. إن النتيجة التي نخرج بها من مقارنة المواقف العربية بمواقف نتنياهو القابض بأنيابه على الأرض المحتلة هي أن المستقبل القريب لن يشهد حراكاً دولياً فاعلاً لحل المشكلة.