خلال عطلة نهاية الأسبوع، بدت واشنطن خلال افتتاح «متحف سميثونيان الوطني لتاريخ وثقافة الأميركيين الأفارقة» وكأنها المكان المناسب الذي يستحق التوقف عنده. فبعد خمسة وعشرين عاماً، لن يبقى في الولايات المتحدة أميركياً واحداً من أصل أفريقي لم يسجل حضوره في هذا المتحف الجديد الذي شهدنا افتتاحه يوم السبت 24 سبتمبر. تماماً مثلما حدث قبل 53 عاماً في حدث آخر، وحيث لم يعد يوجد الآن أميركي أفريقي واحد من كبار السن من الذين لم يشاركوا في مسيرة عام 1963 في واشنطن، وأيضاً، لا يكاد يوجد الآن رجل أميركي أفريقي واحد لم يشارك في «مسيرة المليون رجل لعام 1995». عبر هذا التاريخ النضالي المزدحم بالأحداث، صنع الأميركيون الأفارقة إرثهم ونسجوا أسطورتهم. وهناك العديد من المعارض والدور الثقافية الأخرى التي تهتم بتقديم اللوحات الفنية والبرامج وتعرض المجموعات والمقتنيات التي توثق حياة الأميركيين الأفارقة وتجسّد تاريخهم وثقافتهم. إلا أن افتتاح المتحف الأميركي الأفريقي الجديد يمثل نقطة انعطاف، ليس لأنه يؤرخ لأكثر من 100 عام من حياة ونضال الأميركيين الأفارقة فحسب، بل بسبب الإنجازات الكبرى التي تميّزه من ناحية التصميم الهندسي للمبنى الذي أقيم فيه، وثرائه بالمجموعات والمقتنيات المعروضة، والأسلوب الفني الرفيع في طريقة عرضها وتقديمها. ويمكن لزائره أن يستقرئ فيه القصة الحيّة لعلاقة التضاد التي كانت قائمة بين العبودية والحرية في الولايات المتحدة، وهو أيضاً مكان يروي لنا القصص المحزنة والمخجلة التي ميّزت تاريخ ومعاناة الأميركيين الأفارقة في الولايات المتحدة. وقبل جيل كامل، كانت تنتشر في هذه الأرض مزارع التبغ التي يمتلكها «جورج واشنطن يونج»، وهو أكبر وأشهر مالك للعبيد في تلك المقاطعة. وبقي «يونج» محتفظاً بعبيده السود في واشنطن حتى تم تحريرهم عام 1862. وفيما مضى، كانت المباني القريبة من المتحف تمثل المكان الذي يقع فيه «سجن واشنطن» المخصص لسجن العبيد الفارّين من أسيادهم بعد أن يتم القبض عليهم. ولم يكن الأمر يتطلب جهداً كبيراً للإبلاغ عن فرار العبيد، وحيث كان يتم اعتقالهم في الشوارع عند غروب الشمس حتى من دون شكوى مكتوبة من مالكهم، وكان مجرد وجودهم في الشوارع كافياً للزج بهم وراء القضبان. ولا يتم الإفراج عن العبد إلا بعد أن يتعرف عليه مالكه ويدفع عنه غرامة الفرار ثم يعود إلى عمله. وخلف المتحف، وباتجاه «شارع الاستقلال»، أقيم مبنى جديد على أنقاض مخازن ترسانات الأسلحة القديمة بعد تهديمها، وفيه أسس سياسيو المدينة لأول مرة عصبة من الميليشيات التي تنظم دوريات في الشوارع للتصدي لحركات تمرّد العبيد. وقريباً من تقاطع «الشارع الثالث» مع «شارع بنسلفانيا» و«الشارع السابع» و«شارع الاستقلال»، كان يقوم أشهر مركز لتجارة العبيد، وهو لا يبعد إلا بمسافة قصيرة عن المتحف. وكان من الممكن رؤية قوافل العبيد المقيدين بالسلاسل الحديدية وهي تعبر الشارع القريب من «الكابيتول» والبيت الأبيض. وكانوا يُحتجزون ضمن أقفاص تتألف من قضبان حديدية موضوعة فوق العربات الخشبية، وكانت جلسات المزاد العلنية لبيع العبيد تُعقد في حانات المدينة وشوارعها. ولا شك أن المتحف الجديد يلقى الترحيب لأنه يلقي الضوء على أسوأ حقبة من عهود العبودية التي عانى منها الأميركيون الأفارقة، ويعتبر مرجعاً لدراسة تاريخهم والاطلاع على معاناتهم.