أبعاد معركة الموصل
تتخطى معركة الموصل محاربة تنظيم «داعش»، إلى الكشف عن أبعاد مذهبية شيعية بقيادة إيران تُبقي حكومة بغداد تابعة، كما أنها تتجاوز ما هو أبعد من حضور وقوة حكومة أربيل إلى طموحها الجغرافي، وهناك الوثوب التركي نحو تأمين مصالحهِ في الموصل وشمال العراق، كما أن هناك من يحاول حمل نظام بشار والقفز به بالمعركة لإضفاء شرعية لبقائهِ، أما البيئة الاجتماعية لمركز محافظة نينوى «الموصل» فهي لن تتعدى كونها ممزقة في حاضرها ومستقبلها، ويعود ذلك لارتكاب «داعش» جرائم بشعة بحق أهل الموصل والقرى المجاورة كالقتل وسبي النساء وحرق البيوت وتشريد الناس خصوصاً من اليزيديين والمسيحيين، إلى جانب العرب السُّنة أيضاً، والذي بدورهِ جعل الذين تعاونوا مع «داعش» من أهل الموصل مجرمين ومطلوبين من أهل الضحايا عبر حالات انتقام بعد هزيمة «داعش».
فمعركة الموصل ستبدأ في أكتوبر المقبل، حسب بعض التصريحات، ومؤشراتها بدأت فعلياً بعمليات عسكرية لتحرير وتأمين القرى المجاورة «للموصل»، وتتجه هذه المعركة المرتقبة إلى نتيجتها الحتمية بهزيمة «داعش» من خلال معطيات القوة العسكرية للأطراف المشاركة فيها، ورغم النتيجة الحتمية، فإن هناك أبعاد للمعركة تفصح عن تضارب واختلاف المصالح بين الأطراف المشاركة.
تأتي أبعاد المعركة مع أطرافها المشاركة بشكل مباشر وغير مباشر، فالأطراف المباشرة تتكون من القيادات الأمنية من بغداد وأربيل وواشنطن، ويخطئ البعض في تصورهِ بأنها معركة بين العراق الفيدرالي وبين «داعش»، على أساس أن قوات البشمركة ترتبط دستورياً بالجيش العراقي في الحكومة الفيدرالية، بيد أن الأمر ليس كذلك، فالقوات العراقية تحتوي على قوات: البشمركة- الحشد الشعبي- قوات حكومة بغداد، مع وجود تنسيق وربما مشاركة تركية في قوات البشمركة.
فالبعد المذهبي الشيعي الإيراني تختزلهُ قوات الحشد الشعبي، إلى جانب وجود هدف سياسي وأمني وهو بقاء حكومة بغداد تابعة لطهران وقُمّ. فتطرف قوات الحشد الشعبي شبيه بـ«داعش»، إذ بشاعتهُ كانت واضحة وضوح الشمس في محافظة صلاح الدين وبالتحديد في تكريت، فعلى سبيل المثال، منع أهالي تكريت من العودة إلى منازلهم، والسبب يرجع إلى خشية الحكومة من كشف فضائح الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات الحشد الشعبي. وهناك وقائع وحقائق عن محاولات جرت في بغداد وديالي وصلاح الدين بشأن التغيير الديموغرافي لصالح الشيعة، وهو هدف يتبع أجندات إيرانية لجعل العراق بلداً شيعياً تابعاً. مما لا شك فيه أن الحشد الشعبي يحمل فكراً وسلوكاً متطرفاً، وزادهُ تطرفاً أنهُ مقدس مذهبياً، وله تبعات إقليمية مثل قصف مدينة الفلوجة بصواريخ رسمت عليها صورة المعارض الشيعي السعودي نمر النمر، وهم يصيحون «حشدنا دائم حتى ظهور القائم». فجرائم «الحشد الشعبي» تقف اليوم أمام الموصل، البلد الذي كان ينتمي إليه الكثير من قادة وضباط حزب «البعث» العراقي، والذي ينذر بعمليات تدمير وانتقام، رغم تعهد واشنطن بمحاسبة أي انتهاكات تحدث هذه المرة في الموصل.
وإلى حكومة أربيل، التي استفادت من حربها مع «داعش» من خلال سيطرتها على معظم المناطق المتنازع عليها مع حكومة بغداد، مع حقيقة احتضانها للعرب وغيرهم من الأكراد «بمن فيهم اليزيديون» والمسيحيون الفارون من جرائم «داعش» الإرهابية، وليس خفياً أن حكومة أربيل تطمع في ضم قرى اليزيديين والمسيحيين وربما العرب السُّنة، وستبقى مسألة الصراع على مناطق وقرى الشمال خصوصاً محافظة نينوى «ثالث أكبر محافظة عراقية بعد الأنبار والمثنى» يحكمها الواقع العسكري وربما البعض منها يتم عبر الاستفتاء، جدير بالذكر مثلاً أن حكومة أربيل استطاعت تسليح المسيحيين بتشكيل ميليشيا خاصة بهم، وهذا مؤشر على الرغبة في ضم قراهم.
ومن أبعاد معركة الموصل استعداد حكومة أنقرة لعملية عسكرية في شمال العراق على غرار عملية «درع الفرات» في شمال سوريا، فعراق اليوم بالنسبة إلى الأتراك هو عراق غير موحّد وممزق إلى عراق بين حكومة شيعية بامتياز وحكومة كردية مقابل السُّنة العرب والمسيحيين والتركمان والصابئة واليزيديين، لذا تعطي تركيا نفسها الحق في التدخل في شمال العراق والموصل من منطلقات تتعلق بالأمن القومي التركي المرتبط استراتيجياً بجوار تركيا «سوريا والعراق وإيران»، وهناك معلومات عن تنسيق ومشاركة تركية مع قوات البشمركة. ويمكن حصر أهداف تركيا عبر حماية التركمان في شمال العراق والموصل، وهو هدف مدعوم قانونياً «كما تدّعي أنقرة» في الاتفاقية المبرمة بين تركيا والمملكة العراقية وبريطانيا في 1926، والتي بموجبها ضُمت ولاية الموصل إلى العراق مقابل منح تركيا حق حماية التركمان، وحصول تركيا على نسبة 10? من عائدات نفط كركوك لمدة 25 سنة. ومن الأهداف التركية مزاحمة إيران في العراق، وتحييد التمدد للقومية الكردية، والاستفادة من نفط الشمال عبر خلق حكم ذاتي أو تمثيل برلماني قوي للتركمان في حكومتي أربيل وبغداد، وهو كفيل بتعزيز نفوذ ومصالح تركيا الأمنية والاقتصادية.
في الخاتمة، نصل إلى الطرف الأقوى عسكرياً والمتخبط سياسياً، فقد أصبحت واشنطن مهووسة بهزيمة «داعش» دون الاهتمام بمستقبل العراق وعلاقاتهِ وصراعاتهِ في الداخل ومع دول الجوار، وهي «واشنطن» عبر يدها الاستخباراتية صنعت «داعش» ودعمتها بقادة من «البعث» العراقي، حيث كانت تسعى إلى تجزئة المنطقة إلى دويلات مذهبية وقومية وطائفية، ومن ضمن هذا المشروع يأتي دعمها القوي للأكراد في حكومة أربيل وفي سوريا. والغريب المنذر في سياسة واشنطن أنها لا ترى في الميليشيات الشيعية الخطر الذي تراه في «داعش» ومثيلاتها، ويعود ذلك إلى حقيقة كون طهران تتحكم في كل الميليشيات الشيعية، ولعل ذلك مؤشر على أن العلاقة الأميركية الإيرانية ستكون أفضل حالاً في المستقبل ولو على حساب الدول الأخرى الإقليمية.