تتمتع منطقة القرن الأفريقي والدول المطلة على البحر الأحمر بأهمية أمنية استراتيجية على مستوى الملاحة العالمية، كونها تضم مضيق باب المندب، أهم شريان تجاري للسفن القادمة والذاهبة عبر قناة السويس. وقد شهدت المياه الدولية في البحر الأحمر خلال السنوات الماضية أعمال قرصنة وتهريب أسلحة واضطرابات تسببت في قلق دولي غير مسبوق على الملاحة العالمية. ومن العوامل التي أدت إلى تصاعد المخاوف الأمنية غياب الاستقرار في الصومال طوال العقود الثلاثة الماضية، حيث لعب استفحال الأزمة الصومالية دوراً في انتشار أعمال القرصنة، والاتجار بالبشر وتهريب اللاجئين من أفريقيا إلى الضفة الأخرى على الشواطئ اليمنية، ثم عزز انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية اليمنية، بروز الأطماع الإيرانية في منطقة القرن الأفريقي، وحركة الملاحة في البحر الأحمر، ونشطت إيران في تهريب السلاح إلى حلفائها الحوثيين في اليمن عبر قوارب وسفن صغيرة، تمكنت السلطات اليمنية من ضبط بعضها. وعلى إثر تداعيات الانقلاب الحوثي وسيطرة المتمردين على أجزاء واسعة من اليمن، وجدت دولة الإمارات العربية المتحدة ضرورة ملحة للتدخل المباشر بغية وقف الانهيارات المتتالية، التي كانت ترمي إلى ما هو أبعد من تقديم الجغرافيا اليمنية لقمة سهلة لإيران، فانطلق تحالف دعم الشرعية، ونجحت عملية السهم الذهبي في تحرير المحافظات اليمنية الجنوبية من التمدد الحوثي، بمشاركة إماراتية فاعلة وأساسية ضمن قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن. وفي الوقت ذاته أدى الحضور العسكري للإمارات في البحر الأحمر، إلى وضع حد نهائي لعمليات تهريب السلاح من قبل الإيرانيين، الذين كانوا يطمعون أيضاً في التحكم بحركة الملاحة من خلال السيطرة المباشرة على مضيق باب المندب عبر حلفائهم الحوثيين. جهود الإمارات العسكرية والإنسانية في إعادة الاستقرار لليمن مثّلت اختباراً للمقدرة على التدخل السريع والمؤثر على الأرض، وكان الحفاظ على الانتصار في المحافظات الجنوبية لا يقل أهمية عن الانتصار ذاته، لكن قد لا يعلم البعض أن ما تحقق من نجاحات عسكرية في اليمن حتى الآن جاء بالتوازي مع حضور إماراتي في القرن الأفريقي، كان له دور عسكري لوجستي في إنجاح مشاركة الإمارات ضمن قوات التحالف العربي. لكن بعض تقارير المراكز البحثية المغرضة التي تتحدث عن نفوذ الإمارات في القرن الأفريقي تتناول هذا الموضوع بسلبية متعمدة. في حين يتم إغفال الأبعاد الإنسانية والاقتصادية التي تستفيد منها دول القرن الأفريقي. ولا شك أن الدعم الاقتصادي الذي تقدمه دولة الإمارات لكافة أقاليم الصومال ،قد أحدث تحولات إيجابية في مسار تعزيز السلام الأهلي، والتهيئة لإيجاد مؤسسات أمنية، تساهم في الحفاظ على أمن الصومال. وفي مقابل حصول موانئ دبي على عقود انتفاع طويلة الأجل لتأهيل وتشغيل موانئ حيوية في الصومال وأرتيريا، تحظى المجتمعات المحلية في البلدين بامتيازات تنموية اقتصادية، وإنشاءات ضخمة في مجال البنية التحتية. ولم يكن للعديد من المشروعات الحيوية التي تم تنفيذها في الصومال وأرتيريا أن تتحقق، لولا الاتفاق بين الإمارات وسلطتي البلدين على التعاون الثنائي، مقابل عدم السماح للنفوذ الإيراني بملء الفراغ في منطقة القرن الأفريقي، وبخاصة بعد اتفاق إيران مع الغرب بشأن الملف النووي وتخلصها من العقوبات التي فرضت عليها. وفي إطار حضور الإمارات القوي في أفريقيا تم إنشاء أول قاعدة إماراتية خارج شبه الجزيرة العربية في ميناء عصب الأريتيري، والذي تم بناؤه من الصفر، وأصبح يضم منشآت وميناءً عميقاً، بموجب اتفاقية طويلة الأجل تستفيد بموجبها الإمارات من استخدام الميناء والمطار، بعد أن تطلبت الأوضاع الأمنية في المنطقة قيام الإمارات بترتيب تعاون أمني مع عدد من دول القرن الأفريقي، والقيام بدور فاعل في الساحل الشرقي لأفريقيا يمزج بين التعاون العسكري والاقتصادي، وتعزيز الموقف الإماراتي الرادع ضد إيران.