انقضى موسم الحج للعام الهجري 1437 بسلام وأمان دونما حوادث تذكر، ومضى حجاج بيت الله الحرام كل إلى حال سبيله عائدين إلى أوطانهم بعد أن أدوا فريضتهم وهم موفرو الصحة والسلامة بعد أن رعتهم سلطات المملكة العربية السعودية ووفرت لهم الأمن والأمان بعيداً عن الطنين والرنين والعواء والهراء الذي أثارته العديد من الجهات الإيرانية المسؤولة وغير المسؤولة متشدقة بأقاويل ما أنزل الله بها من سلطان، كتدويل أماكن الحج ومناسكه، وعدم كفاءة الدولة الراعية للحجيج في حمايتهم وضمان سلامتهم، إلى غير ذلك من افتراءات ليس من المعروف ما هو القصد منها، أو ما الذي تهدف إليه حكومة أصحاب العمائم في إيران. كل ما قيل وأشيع ونفخ فيه ذهب أدراج الرياح. والسؤال المحير الذي يبقى يدور في المخيلة كلما سمعنا تصريحاً أو افتراء يصدر عن السلطات الإيرانية هو: ما الذي يريده المسؤولون الإيرانيون بالتحديد من السعودية وأشقائها الخليجيين أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي؟ الطروحات الإيرانية القائمة على ساحة الخليج العربي تحمل تحديات ضخمة للمملكة ولدول المجلس الأخرى، باتت معها هذه الدول غير متأكده مِن الذي تريده إيران منها لتحييد مواقفها من قضايا الخلاف المطروحة كافة معها. وبغض النظر عن تطلعات إيران التوسعية ورغبتها في تصدير «الثورة» إلى جيرانها عرب الخليج العربي، فإن جميع ما تقوله وتطرحه لا يساعدها على تحقيق أي من تطلعاتها وسياساتها تجاههم، إذا كان لديها فعلاً أية سياسات مرسومة بعقلانية ومصداقية، وهو أمر مشكوك فيه، ولا تنم التصرفات الإيرانية عن وجوده، فهل على سبيل المثال يوجد منطق سليم في المناداة بتدويل موسم الحج؟ فلماذا يتم تدويله، وما هو الهدف من ذلك سوى إحراج الدولة المضيفة للحجاج ليس إلا؟ والسؤال هو هل تقبل إيران بتدويل «قم» بحيث تدار من قبل دول عدة يوجد فيها المسلمون الشيعة؟ ربما يوجد أكثر من تفسير ووجهة نظر لما تقوله إيران وتفعله تجاه دول المجلس، لكنها جميعاً تصب في مسار واحد هو أن إيران تبحث لنفسها عن دور إقليمي أكبر ونفوذ أوسع على صعيد الخليج العربي والعالم العربي وجوارها الجغرافي في شتى الاتجاهات. وقياساً على ما تم من خلال قراءة نتائج الاتفاق النووي الذي أبرمته الولايات المتحدة الأميركية مع إيران توجد إشارات وتوجهات إيرانية تجاه الغرب لها دلالاتها وانعكاساتها المهمة، فالإيرانيون يقومون بإرسال رسائل مختلطة ومتناقضة حول نواياهم وتوجهاتهم، بعض من تلك الرسائل تفهم بأن إيران مستعدة للتخلي عن الممارسات التي تزيد من العزلة الإيرانية وتُفاقم من رداءة الأوضاع الاقتصادية، وبعضها الآخر يسير في عكس الاتجاه، ويبدو بأنه موجه إلى الداخل الإيراني قوامه المحافظة على زخم الثورة واندفاعها، وإن كان ذلك على حساب مصداقية السياسة الخارجية وحصانتها التجارية والأخلاقية. موسم الحج لهذا العام كان ناجحاً وبكل المقاييس، والممارسات الإيرانية لإفشاله ذهبت أدراج الرياح، وهي جهود مؤكد لها الفشل لأن المسلمين في شتى بقاع الأرض لديهم قناعاتهم بأن الحج فريضة دينية على المسلمين وليس مسرحاً سياسياً للمزايدات والمكابرات والشعارات الرنانة الفارغة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وبأن المملكة لديها من الإمكانات المادية والفكرية والبشرية الخلاقة ما يؤهلها لإدارة وتنظيم مواسم حج ناجحة إلى أبد الآبدين دونما حاجة إلى أي تدخل إيراني. يبقى أنه يجب على إيران أن تعي وتفهم بأنه توجد الكثير من المصالح التي يمكن لها تحقيقها وجنيها في إطار علاقات حسن جوار رصينة وهادئة ومتميزة مع دول مجلس التعاون قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين، من تلك التي تجنيها الآن من سلبيات بسبب مواقفها التصعيدية والعدائية. وعلى ضوء ذلك ربما يتوقع المرء أن يقوم الإيرانيون بتعديل مواقفهم، وذلك إن شاؤوا للخليج العربي أن يستقر، أو أرادوا لبلادهم أن تجني ثمار ما لديها من إمكانات تستغل لمصلحة الشعب الإيراني المغلوب على أمره والمجرد من أبسط حقوقه المادية والمعنوية. دول مجلس التعاون الخليجي قلاع شاهقة تقطنها شعوب نفوسها أبية لا تنال منها الترهات أياً كان مصدرها. د.عبدالله جمعة الحاج