إسرائيل والمعونة الأميركية
قوبل اتفاق حكومة نتنياهو مع إدارة أوباما على معونة عسكرية أميركية في إسرائيل بموجة انتقادات، هذا على الرغم من أن محللي الصحافة العربية والدولية قد وقفوا مشدوهين أمام ضخامة مبلغ الاتفاق، وهو ثمانية وثلاثين مليار دولار على عشر سنوات. جاءت الانتقادات من جانب معسكرين، الأول معسكر الجنرالات الإسرائيليين المتقاعدين، والذين سبق أن شغلوا مناصب عليا في الجيش وفي الحكومة، مثل إيهود باراك رئيس الوزراء ورئيس الأركان الأسبق، وعاموس يادلين رئيس مركز بحوث الأمن القومي الحالي، وموشيه يعالون وزير الدفاع السابق في حكومة نتنياهو، وقد حاول رجال نتنياهو التشكيك في نوايا وأهداف هذا المعسكر كرد على الانتقادات، وقال مكتب نتنياهو إن باراك يتكلم بأقوال سخيفة وإنه لا يعلم تفاصيل المفاوضات حول الاتفاق، وألمح معلقون موالون لرئيس الوزراء أن باراك يحاول بانتقاداته العودة إلى الساحة السياسية من خلال انتقاد نتنياهو في الصحافة الأميركية، وافترض البعض أن باراك يسعى إلى إسقاط نتنياهو وتولي رئاسة الوزراء بدلاً منه من خلال تحالفه مع بعض الجنرالات الذين يشاركون في الحملة على رئيس الوزراء. وكان إيهود باراك قد كتب مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست» ينتقد فيه السلوك المتسم بالطيش من جانب نتنياهو عندما تدخل في الشؤون السياسية الداخلية الأميركية بإلقاء خطاب في الكونجرس عام 2015 يعارض فيه توجه أوباما للاتفاق مع إيران حول ملفها النووي، واعتبر باراك أن هذا الاستعداء لأوباما أدى إلى تهديد المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في الولايات المتحدة، وهو ما ترتب عليه أن مبلغ المعونة جاء أقل مما كان يمكن تحقيقه لو التزم نتنياهو مبدأ عدم التدخل في السياسة الأميركية الداخلية. أوضح باراك أن جدول غلاء أسعار السلاح قد ارتفع بنسبة عشرين في المائة منذ الاتفاق السابق، وهو ما يجعل الزيادة في الاتفاق الحالي غير قادرة على تعزيز قدرة إسرائيل على شراء الأسلحة. وانضم إلى هذا التقدير أيضاً الجنرال عاموس يادلين الذي قدر أن المعونة الحالية تأتي أقل من المعونة السابقة بمائة مليون دولار من حيث القيمة الشرائية، وكذلك أدلى وزير دفاع نتنياهو السابق يعالون بتصريحات تفيد أنه قبل استقالته كان يتفاوض مع الأميركيين على معونة أكبر بكثير مما توصل إليه نتنياهو.
أما المعسكر الثاني الذي انتقد الاتفاق فهو معسكر المحللين السياسيين والعسكريين بالصحافة الإسرائيلية، وقد تركزت انتقاداته على ثلاثة جوانب، الأول أن الاتفاق يمنح أوباما القدرة السياسية على إطلاق مبادرة سلام أو إصدار قرار من مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية دون أن يتهم بأنه يفرط في أمن إسرائيل، وأنه كان من الأفضل أن يؤجل نتنياهو الاتفاق لحين مجيء رئيس أميركي جديد. الثاني أن نتنياهو فرّط في تعزيز قدرات الصناعات العسكرية الإسرائيلية عندما وافق على تخصيص ربع مبلغ المعونة فقط للشراء من شركات السلاح الإسرائيلية، على أن يوجه باقي المبلغ للشراء من الشركات الأميركية. الجانب الثالث هو أن نتنياهو وافق على عدم التوجه للكونجرس لطلب معونة إضافية، وهذا يعني منع إسرائيل من تلقي مساعدات عسكرية إضافية.
بالنسبة لي كمراقب عربي لا أجد جديداً في الالتزام الأميركي بدعم الجيش الإسرائيلي ولا في الصراع الداخلي الإسرائيلي، وكل ما أرجوه أن يستخدم أوباما الاتفاق ليفرض على نتنياهو، بقرار من مجلس الأمن يصدر تحت الفصل السابع الملزم، إنهاء احتلال الضفة وقبول الدولة الفلسطينية ومقتضيات السلام الشامل.