«ساعة لقلبك».. والعلاج بالضحك
على عكس ما يعتقد الكثيرون، لا يقتصر الضحك على الإنسان فقط، حيث تُظهر بعض أجناس القردة العليا، مثل الشمبانزي، والغوريلا، والأورانج-أوتان أو إنسان الغابة، سلوكاً مشابهاً لسلوك الضحك عند البشر، ويعتقد العلماء أن حيوانات أخرى تقوم أيضاً بالضحك، مثل الكلاب، وبعض أنواع الطيور، وربما حتى الفئران. ويُعرّف الضحك بأنه فعل بدني، ينتج من انقباضات إيقاعية للحجاب الحاجز أسفل الرئتين، وانقباض أجزاء أخرى من الجهاز التنفسي، ليصدر عن هذه الانقباضات الصوت المميز للضحك. ويعتبر الضحك استجابة بدنية لمثيرات خارجية أو داخلية، سواء كانت هذه المثيرات بدنية كما هو الحال مع الدغدغة أو المداعبة، أو عقلية وفكرية كما هو الحال مع القصص المضحكة، أو ربما حتى الأفكار والذكريات.
كما يعتبر الضحك تجسيداً وتعبيراً بدنياً خارجياً، عن عدد من المشاعر والأحاسيس الإيجابية، مثل السعادة، والغبطة، والابتهاج، والفرح، والمرح، والطرب، والسرور، وغيرهم من المرادفات التي تصف وتعبر عن حالة نفسية إيجابية. وأحياناً ما يكون الضحك استجابة لحالة نفسية متضادة أو متضاربة، كما هو الحال عند الشعور بالإحراج، أو الحاجة للاعتذار، أو الارتباك، وهو ما يعرف بالضحك العصبي. ويعتبر العمر، والجنس، ومستوى التعليم، واللغة، والخلفية الثقافية، عوامل تحدد كلها ما إذا كان الموقف، أو الفكرة، أو القصة، ستثير رد فعل بالضحك لدى الشخص أم لا.
ومؤخراً تزايد إدراك الأطباء والعلماء بالتأثيرات البدنية والفسيولوجية للضحك، وبتبعاته الإيجابية على الحالة الصحية. فعلى صعيد تدفق الدم في الأوعية الدموية، أظهرت دراسة أجراها علماء جامعة «ميرلاند» بالولايات المتحدة على مجموعتين من الأشخاص، أن أفراد المجموعة الذين شاهدوا فيلماً كوميدياً كانت أوعيتهم الدموية تنقبض وتنبسط بشكل طبيعي وجيد، مما ساعد على سريان وتدفق الدم لأعضاء وأجهزة الجسم. بينما تعرضت الأوعية الدموية لأفراد المجموعة الذين شاهدوا فيلماً درامياً، لحالة من التوتر والتشنج، مما أعاق تدفق الدم بشكل طبيعي.
وعلى صعيد جهاز المناعة، وبناء على أن التوتر الحاد والمزمن يؤثران سلباً على جهاز المناعة، يترك الأثر الاسترخائي للضحك والمضاد للتوتر، وقعاً إيجابياً على قدرة جهاز المناعة على الدفاع عن الجسم ومقاومة العدوى، من خلال زيادة مستوى الأجسام المضادة في الدم، وعبر رفع كفاءة وفعالية الخلايا المناعية. ومن ضمن التأثيرات الفسيولوجية الأخرى للضحك، أظهرت دراسة أجريت على مجموعة من مرضى السكري قاموا في اليوم الأول بتناول وجبة محددة، ثم حضور محاضرة مملة، وفي اليوم الثاني قامت نفس المجموعة من المرضى بتناول نفس الوجبة، ثم مشاهدة فيلم كوميدي، وعند قياس مستوى السكر في الدم لأفراد المجموعة، اكتشف العلماء أن مستوى السكر كان أقل بينهم في يوم مشاهدة الفيلم الكوميدي، مقارنة بمستواه في اليوم الذي شاهدوا فيه المحاضرة المملة، حتى بعد تناول نفس الوجبة.
ويعتبر القلب بمعنييه، الثقافي النفسي، والطبي العضوي، من أكثر الأعضاء ارتباطاً وتأثراً بالضحك، حيث تُشير المقولة الثقافية الشائعة بأن ساعة من الضحك- أو حتى بضع دقائق- هي ساعة لقلبك، للتأثير النفسي الإيجابي على القلب، والذي يعتبر من المنظور الثقافي مصدر ومخزن المشاعر والأحاسيس. أما في المعنى الطبي العضوي، فيعتبر ازدياد معدل تدفق الدم عبر الأوعية الدموية، نتيجة استرخاء وانقباض العضلات في جدران تلك الأوعية بشكل طبيعي، من التأثيرات الإيجابية للضحك على القلب وعلى شرايينه التاجية المغذية لعضلاته. أضف إلى ذلك، أن تأثير الضحك المتجسد في خفض الهرمونات المرتبطة بالتوتر، مثل الكورتيزول والأدرينالين، يقلل من الضغط والإرهاق على عضلة القلب، ولدرجة أن الضحك أصبح أحياناً ما يدرج في برامج إعادة تأهيل مرضى القلب والرئتين.
هذا المفهوم، أو توظيف التأثيرات الفسيولوجية للضحك في المجال الطبي، يندرج تحت العلم المعروف بالعلاج بالضحك (Laughter Therapy). وتعود فكرة استخدام الضحك كأسلوب علاجي إلى أطباء العصور اليونانية والرومانية الكلاسيكية، إلا أنه مع تطور الطب الحديث رُفض هذا المفهوم واستهزئ به خلال القرنين الماضيين. إلا أن الدراسات الإكلينيكية الحديثة، شرعت في استكشاف التأثيرات الفسيولوجية للضحك، وخصوصاً على صعيد العمليات الكيميائية الدقيقة، مثل تلك المتعلقة بالهرمونات، وبالتحديد مركبات مجموعة «الإندورفين»، التي تفرز من الجهاز العصبي المركزي، ومن الغدة النخامية في قاع الجمجمة. والمعروف عن مركبات الإندورفين تخفيفها للإحساس بالألم، وخلق شعور بالبهجة والسرور. وهو ربما ما يفتح الباب لاستخدام الضحك لتخفيف معاناة المصابين بآلام مزمنة، أو علاج المصابين بالاكتئاب، أحد أهم وأكثر الاضطرابات النفسية انتشاراً على الإطلاق، ومن الأسباب الرئيسة خلف ظاهرة الانتحار التي تودي بحياة 800 ألف شخص سنوياً.