تتصاعد حدة التوتر بين الرياض وطهران يوماً بعد آخر وتتواصل المشادات الكلامية والتصريحات النارية وصولاً إلى المقالات الصحفية، إذ نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالاً لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حمل عنوان «لنخلّص العالم من الوهابية» شن فيه هجوماً على المملكة العربية السعودية عبر اتهامها «بنشر الوهابية» التي تحولت إلى أيديولوجيا تعتنقها الحركات المسلحة في العالم، معتبراً أن الإشكالية لا تتمثل في الصراع بين السنة والشيعة بل بين السنة والوهابيين! وبعبارات طائفية اتهم الوزير الإيراني السعودية بدعم الإرهاب متهماً إياها بالوقوف وراء مجموعات كـ«النصرة» و«داعش» وغيرهما، زاعماً في مقاله أن «مثل هذه المجموعات تتلقى دعماً مادياً من السعودية المسبب الأساسي لتشكيل هذه المجموعات»! ظريف في مقاله هذا حاول وبشكل فج التحريض على السعودية وتبرئة إيران من كل الأعمال الإرهابية التي أُدينت بها منذ تأسيس النظام في 1979 بالسعي لتضليل القارئ غير المطلع على خبايا السياسة في الشرق الأوسط. يأتي مقال ظريف في ذروة التوتر بين طهران والرياض على خلفية أزمة موسم الحج فيما ظهر أن التدهور المتسارع طال كل الملفات الإقليمية في المنطقة حتى باتت علاقات البلدين رهينة عداوة شرسة ترفدها مواقف متناقضة في ملفات حساسة. علاقات تُركت من دون كوابح وهي تسير من سيئ نحو الأسوأ. وتنذر الأوضاع الإقليمية والدولية بتصعيد المواجهة وإشعال الحروب بالوكالة والتصعيد في كل الملفات الإقليمية والدولية في إطار الصراع الإقليمي، ففي الملف اليمني أدت سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء إلى نقل الصراع بين الرياض وطهران إلى الذروة، وأصبحت السعودية عملياً منذ مارس عام 2015 في حالة حرب مع إيران عبر عمليات «عاصفة الحزم» ضد الحوثيين وجماعة المخلوع علي عبدالله صالح فكان التدخل السعودي الخليجي في اليمن عسكرياً لوقف تمدد النفوذ الإيراني عبر الحوثيين، وهي ثاني ساحة للتدخل السعودي الخليجي بعد البحرين لتحجيم الخطر الإيراني المهدد لاستقرار دول المنطقة. وعلى الدوام كان ميزان القوى الإقليمية يتأرجح بين طهران والرياض طبقاً للعوامل والظروف الإقليمية والدولية وللتحالفات التي ينجح أو يفشل كل طرف في صياغتها إضافة إلى أوراق الضغط التي يوظفها. وفي مقابل التحالف التقليدي بين واشنطن والرياض أخذت طهران تجني مكاسب المغامرات الأميركية في الشرق الأوسط بعد الحرب الأميركية على الإرهاب في أفغانستان في أعقاب تفجيرات سبتمبر 2011 فتعاونت استخباراتياً وعسكرياً مع أميركا في حربها على الإرهاب ووظفت انهيار حكم «طالبان» في أفغانستان لزيادة نفوذها. ومن ثم كانت طهران المنتصر الأكبر في حرب لم تخضها في العراق بإسقاط نظام صدام حسين العدو الأول للثورة الإيرانية، وتسليم واشنطن العراق للمليشيات الإيرانية والأحزاب العراقية الموالية لإيران، ليتحول العراق تدريجياً إلى ساحة لمواجهات مفتوحة بين «الشيعة» و«السنة»، وتمكنت طهران من زرع الانقسام الطائفي كحقيقة في الحياة السياسية العراقية لتصطف حوله الأطياف العراقية وتتقاتل حوله الميليشيات من الطرفين. وعليه اتجهت السياسة السعودية إلى سياسة الحزم مع إيران ولجأت إلى استخدام القوة العسكرية مع حلفائها في المنطقة لمواجهة إيران وحلفائها في العديد من الساحات، في البحرين واليمن وسوريا. إن تطورات الأحداث في المنطقة بتشعباتها وامتداداتها وأبعادها لا تعطي أي مؤشرات إيجابية قد تفضي إلى استقرار المنطقة بل إن الاستقطاب الطائفي والتجاذبات السياسية بين طهران والرياض ستفضي إلى مزيد من التوترات. ولا يبدو أن البلدين معنيان بوقف تدهور علاقاتهما، والبحث عن حلول وسط للملفات الخلافية المعقدة بينهما، فهل يراهن الطرفان على الحسم أم الحوار؟ على رغم اشتداد المواجهة بين طهران والرياض والتصعيد الكلامي المستمر فإنه من المستبعد فتح جبهة مواجهة مباشرة، ولكن استفحال حالة العداء ينقل التنافس السعودي الإيراني لمرحلة متقدمة من التوتر ستنعكس على جميع الملفات في المنطقة.