رغم التنازل الذي نشعر به كعرب تجاه المستقبل، إلا أن عيد الأضحى يمر علينا وهو حزين، فالإنسان الذي يقتل في عقر داره وبشتى الطرق، ما بين مجازر داعش في أكثر من بلد عربي إلى عبث الحوثيين وصالح في اليمن، إلى تفجيرات بغداد وتونس وليبيا، يموت الطفل ويُبقر بطن المرأة، ويُنحر أو يُحرق الشاب الأعزل، ويُشرد الشيخ الذي لا حول له ولا قوة دونما ذنب اقترفته أيديهم، والحبل على الجرّار. هذا المشهد المربك تتم مباركته من قبل أولئك الذين يقومون بتكفير البشر أو بتصنيفهم إلى فئات قوامها «نحن» و«هم»، أو بقولهم إن هؤلاء من الجماعة، وأولئك ليسوا منها، كالحركات المتطرفة التي تنادي بشتى أنواع التفريق والتصنيف، وهذه أمور تعد مبالغة في التسطيح والوصف الخاطئ. لكن الغريب في الأمر، هو أن هذه الحركات المتطرفة تدعي بأن أيديولوجيتها قائمة على الإسلام، والإسلام بريء من ما تقوم به وتمارسه، وهي تظهر إلى العلن وهي تمثل شكلاً من أشكال التطابق الجزئي للأيديولوجيا الراديكالية المتطرفة في الغرب، وهي ذات صبغة وطبيعة فوضوية عنفية. وفي بداية ظهورها في العالم العربي لم تكن تعمل من أجل الثورة أو محاربة الاستعمار الأجنبي أو كحركة تهدف إلى إدخال الحداثة إلى المجتمع أو إلى إلزام ذاتها من خلال فكرها وحركتها وممارساتها بقضايا اجتماعية أو بمظالم مجتمعية أو بالتزامات طائفية أو مذهبية أو إثنية أو لكي تتماشى مع أهداف تخص مقاومة الاستعمار أو مضادة للرأسمالية والامبريالية الغربية بأثوابها الجديدة أو للمؤسسية الحديثة أو للعلمانية أو للدولة الوطنية، لكنها في حقيقة الأمر هي ذات معارضات عادة ما يتم توظيفها بغرض وصول مادتها إلى السلطة السياسية، أو لكي يقيم قادتها أمجادهم الشخصية، أو أن يقيموا لأنفسهم دولة، مستخدمين الدين لتحقيق ذلك كما هو الأمر بالنسبة لقادة تنظيم «داعش» و«القاعدة»، أياً كانت طبيعة ذلك التوظيف. عندما كان العالم العربي خاضعاً للإستعمار الغربي شهد عددا من الحركات التحررية المناوئة له، لكنها لم تكن حركات عنيفة في مجملها، بل كان العديد منها تحررية فكرية ناصبت الطروحات الرأسمالية والامبريالية العداء فكرياً، لكنها لم تحمل السلاح أو تمارس عمليات متتالية. لقد مرت سنوات طويلة نسبياً منذ ذلك الوقت، وأصبح من المستحيل استعادة المناخ المتوقع لتلك الأيام، وتحولت مقولات الصدمة المستقبلية إلى أزمات اقتصادية ومالية وسياسية واجتماعية مزعجة. لذلك فإن علماء السياسة الذين كانوا منشغلين بتحليل ملكية وسائل الإنتاج في الدول العربية وتأثير ذلك في توليد الحراك الاجتماعي وعدم الاستقرار المزمن بات عليهم الآن الخوض في قضايا فكرية جديدة محورها تأثير الدين على الإنسان، وتحليل كيفية إبقاء الاقتصاد يعمل وفقاً لخطوط تحد من حجم البطالة في المجتمع في وسط تسوده اختلالات سياسية واجتماعية واقتصادية ومالية، تهدد أمن وسلامة المجتمعات، وينتج عنها اختلالات وفوضى عارمة وعنف غير مبرر، أدخلت الدول المعنية في أنفاق مظلمة لا نعرف نهاياتها. إن عيد الأضحى المبارك لهذا العام مضى إلى حال سبيله، لكن المجتمعات العربية لا تزال ترزح تحت نير غياهب العديد من المشكلات التي تنغص على الإنسان العربي حياته ومعيشته. وهنا ربما يصح القول بأن الشر الأكبر الذي يمكن أن يطال المجتمعات العربية التي تعاني من مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية يكمن وراء الإنسياق خلف شعارات مغلفة بصبغة دينية تخفي وراءها فكراً شيطانياً يضر بالمجتمعات والإنسان لو انساقت وراءه الناشئة والجماهير العربية دونما وعي وعلى أسس عاطفية، ولنا فيما قام به بعض المهووسين من قتل لذويهم وأقربائهم خير مثال على ذلك. والخوف كل الخوف وراء ذلك هو أن يصبح المتخلفون والفاسدون وناقصو العقل والبصيرة هم أصحاب السلطة السياسية والسلطان في العالم العربي. وفيما يبدو فإن هذه هي علامة التعجب الكبرى التي يتم الشعور بها بعمق حالياً لدى المواطن العربي، وتؤدي إلى حيرته واندهاشه وخوفه، مما يحدث حوله. خاتمة القول هي أن الله وحده هو المستعان.. له الأمر من قبل ومن بعد، وجعل الله أيامكم أيها العرب جميعها أعياداً، وكل عام وأنتم بخير. د.عبدالله جمعة الحاج