الآخر والمنظور الإنساني
ذكرت جريدة «الحياة» الصادرة في لندن، في صفحتها الأولى يوم الأربعاء 7 سبتمبر من هذا الشهر، خبر وضع 9 شركات سعودية في القائمة السوداء، وأكدت الجريدة أن هناك أفكاراً جديدة تجري دراستها لتنظيم العمالة الفلبينية في السعودية، بينها اشتراط ضمان بنكي بمقدار راتب ثلاثة أشهر لمن أراد استخدام العمالة الفلبينية. ويشار هنا إلى أنه يوجد في السعودية نحو 800 ألف عامل وعاملة فلبينية يعملون في كل القطاعات، منهم 11 ألفاً تعثرت رواتبهم لدى بعض الشركات خلال الأشهر الماضية، مما استدعى إرسال الفلبين وزير المغتربين فيها لتسوية موضوع هذه الفئة من الجالية الفلبينية في المملكة.
وتشكل العمالة الآسيوية في الخليج أغلبية القوة العاملة في هذه الدول. وللعمالة الآسيوية تاريخ طويل مع العمل في الخليج، حتى قبل اكتشاف النفط. ونذكر هنا أن تجار الخليج كانوا يتجاورون ويعملون في آسيا، في الهند وإندونيسيا وغيرهما، قبل النفط، وكانوا يعامَلون معاملة طيبة ودون أي تفرقة ضدهم.
العمال الآسيويون تكاد تجدهم اليوم في كل مناحي الحياة الخاصة والعامة في الخليج، فهم الذين يخدموننا في المنازل، وهم الذين يطبخون لنا كل أنواع الأطعمة، وهم الذين يربون أبناءنا.. وبعضهم يعملون أكثر من 12 ساعة يومياً.
والأسئلة المثارة بهذا الخصوص هي من قبيل: لماذا النظرة الدونية لدى البعض إلى العمالة الآسيوية، رغم أن الأجيال الجديدة من شباب الخليج تربت على أيدي الآسيويات والآسيويين؟ ولماذا لا تمنح بعض العائلات الخليجية إجازات آخر الأسبوع لهؤلاء؟ ولماذا لا تدفع بعض الشركات العاملة في الخليج رواتبهم في مواعيدها؟ ولماذا يتم احترام وتقدير المهندس أو الطبيب أو الفني الغربي القادم من أوروبا أو الولايات المتحدة ولا يتم منح الاحترام ذاته للأطباء والمهندسين والفنيين الآسيويين الذين لا يقلّون عنهم كفاءة وعطاءً وعلماً وأخلاقاً؟
هناك أسباب كثيرة وراء تلك النظرة، لا علاقة لها بالدين، بدليل أن الأمر قد يشمل المسلمين العرب أو الآسيويين أيضاً. السبب الرئيسي، في رأيي شخصياً، هو ضعف الثقافة بشكل عام والثقافة الإنسانية بشكل خاص. وقد يعود السبب في ذلك إلى الثروة المفاجئة التي نزلت على بعض الأفراد والأسر. فجيل الآباء والأجداد كانوا يحترمون ضيوف بلدانهم ويعاملونهم معاملة المواطنين ولا يفرّقون بينهم وبين العمالة القادمة، لأنهم صادقون ومتواضعون ولم يتأثروا بالثروة أو المادة. أذكر جيداً كيف عاملت حكومة الكويت وشعبها المدرسين الأوائل الذين قدموا إلى البلاد.. حيث تم إسكانهم في أفضل الشقق مع تجهيزها بالأثاث وكل مستلزمات الحياة في ذلك الوقت.
بعض الحكومات في الخليج قد تحاول كسب رضا مواطنيها على حساب العمالة الوافدة أحياناً، رغم أن الأجانب أكثر إنتاجية وعطاءً من بعض أبناء البلد نفسه. وأخيراً أرى شخصياً أن المشكلة اليوم حقيقية ولا يمكن إنكارها، والدليل على ذلك تدخل دول العمالة الأجنبية لحماية مواطنيها، لأن بعض الدول المضيفة قد تفشل أحياناً، أو بالأحرى بعض الخواص فيها، في حماية ضيوفها وإخوانها في الإنسانية!
---------------
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت