اكتشاف شرق أوروبا
لم أزُرْ أي مدينة في شرق أوروبا للسياحة إلا هذا العام، فلقد قضيت إجازتي السنوية في أحد منتجعات سلوفاكيا المشهورة بمياهها المعدنية. والحقيقة أنني كنت متخوّفاً من السفر للسياحة فيها، فلقد زرت معظم بلدان أوروبا الغربية من قبل، ولولا الغلاء فيها، وكثرة المواطنين والمقيمين العرب فيها، لأعدت الكرّة هذا العام، ولكني ارتأيت زيارة بعض بلدان أوروبا الشرقية، خاصةً أنني شعرت أنّ بعض مدن أوروبا الغربية، خاصةً الصغيرة منها، لم تعد مستضيفة للسائح العربي كما كانت من قبل.
وبالرغم من ذلك، فإنّ المرء يشعر بالأمان في بعض مدن أوروبا الغربية، لكثرة الأجانب فيها من مقيمين وسيّاح. ولكن بعض المدن، خاصةً الصغيرة والسياحية منها في أوروبا الشرقية، ترحّب بالسائح العربي. وبالرغم من عدم إجادتي للغة في أي من هذه البلدان، فإنّ اللغة الإنجليزية قد أصبحت لغة عالمية وغزت بلداناً عدة. وكنت أتوقع أن تكون اللغة الروسية هي اللغة الثانية السائدة في هذه البلدان، إلا أنني فوجئت بأنّ اللغة الثانية هي اللغة الإنجليزية، وفي بعض المنتجعات ستجد أحد موظفي الفندق ممن يتحدث بعضاً من العربية، لكثرة السياح العرب فيها.
وقد فوجئت بأنّ إخواننا الكويتيين باتوا من أكثر السيّاح العرب زيارةً لبلدان أوروبا الشرقية لرخصها النسبي مقارنةً ببلدان غرب أوروبا. ومعظم من التقيت بهم من العائلات القادمة للعلاج الطبيعي والاستجمام. ومستوى الأسعار في بعض مدن شرق أوروبا يقلّ بحوالي 40% عن أسعار بعض مدن أوروبا الغربية القريبة منها. وقد أقبل المستثمرون الكويتيون على شراء الأراضي والبيوت والعقارات في هذه المدن. فالجو الجميل هو الذي يجذب السائح الكويتي بشكلٍ خاص لزيارة هذه البلدان، وقد كانت الكويت من أوائل الدول التي تبادلت التمثيل الدبلوماسي مع هذه الدول، حينما كانت تحت مظلة الكتلة السوفييتية.
ومعظم السياح الذين التقيتهم هما إما من العالم العربي، أو من الدول الأوروبية، الذين يزورون المصحّات والقلاع والمناطق التاريخية في شرق أوروبا. وربما كانت هذه المناطق مناسبة للسائح العربي وعائلته الذين يميلون إلى الاسترخاء والاستمتاع بالطبيعة الخلابة في هذه البلدان.
وتعامل الأفراد ليس سيئاً مع العرب أو المسلمين في هذه البلدان. غير أنّي لاحظت في بعض العواصم، خاصةً المناطق القديمة، أو محطات القطارات، أشخاصاً عنصريين يشمئزّون لرؤية المواطن العربي أو المسلم، ويحاولون استغلاله. لذا، وجب الحذر من التجوّل في محطات القطارات، أو الميادين في المناطق القديمة في بعض المدن.
أما في المدن الصغيرة والأرياف، وحتى في القطارات، فإنّ الشباب وصغار السن ودودون بطبعهم. وحين تتحدث معهم بالإنجليزية فهم يساعدونك ويحاولون أن يطوّروا لغتهم، فمعظم شباب أوروبا الشرقية يقبلون على تعلّم الإنجليزية، بعد أن كان آباؤهم لا يتحدثون من اللغات الأجنبية سوى اللغة الروسية.
والسائح الأجنبي في جميع الأحوال يجب أن يكون حذِراً، ويتعامل مع الناس بأدب، حتى لو حصلت أي إساءة مقصودة كانت أم غير مقصودة. فالمثل العربي يقول: «يا غريب كُن أديباً»، وهذا القانون الذهبي يجب أن يكون عنوان كل مسافر، سواءً كان سائحاً أم رجل أعمال، أو طالباً أو خلافه، خاصة مع وجود بعض الأقليات العربية في بعض مدن أوروبا الشرقية، ومعظمهم من الطلاب العرب السابقين من الشام، والعراق ومصر، ومعظم هذه الدول كانت تربطها علاقات ثقافية وسياسية قوية مع بلدان حلف وارسو إبان الحقبة الشيوعية.
وبالإضافة إلى العرب، هناك أقليات من تركيا امتهنت التجارة، وفتح المطاعم الشرقية لخدمة السكان المحليين والسياح على حد سواء.
والحقيقة أنّ السائح العربي الذي كان يقصد لندن وباريس في الماضي، بات يبحث عن أماكن أخرى أقل تكلفة، وتحمل طابعاً ثقافياً مختلفاً عن المدن التاريخية في بلدان أوروبا الغربية. ولعلّ ما يلفت اهتمام السائح في هذه البلدان هو وجود العديد من القلاع الشاهقة على رؤوس الجبال فيها، وكذلك المصحات العلاجية المتميّزة والمياه المعدنية، التي طوّر أهل هذه البلدان استخدامها حتى أصبحت أساساً لصناعة سياحية متكاملة.
ويبدو أنّ هذه البلدان التي جذبتني بجمال طبيعتها ستعيدني إليها في الأعوام القادمة، إن شاء الله.
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود.