القدس.. الوعظ والاستيطان
القدس الشرقية المحتلة عام 1967 واقعة في كماشة مكونة من فكين؛ الأول فك الوعظ اليهودي الذي تمارسه المجموعات الدينية المتطرفة والأكاديميون الإسرائيليون، والثاني هو مخططات وسياسات الاستيطان التي تطبقها حكومة اليمين الإسرائيلي. الفكان يطْبقان معاً على القدس بانتظام مع تطبيق استراتيجية الكر والاقتحام، إذا غفلت عيون العرب والعالم، والفر والتراجع المؤقت إذا ثارت عواصف الاحتجاج العربي. إذا قمنا بتحليل مضمون خطاب الوعظ الهادف لترويج يهودية القدس سنجده منصبّاً على الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى، وجوهره أن هذا المكان هو مكان الهيكل اليهودي وأن المطلوب في نهاية المطاف إزالة المباني الإسلامية وإعادة بناء الهيكل! إن الحاخام إنجرليك هو أشهر زعماء المنظمات المتطرفة العديدة التي اتحدت في ائتلاف وانضمت إليها أخيراً منظمة جديدة هي منظمة «نساء من أجل الهيكل». أما أشهر الأكاديميين الإسرائيليين في توظيف التاريخ الزائف للتهجم على المسجد الأقصى فهو الدكتور مردخاي كيدار أستاذ الدراسات العربية والإسلامية بجامعة بار إيلان. هنا يجب أن أحذر القنوات الفضائية العربية، التي تفضل استضافة معلقين إسرائيليين على الأحداث، من إعطاء كيدار فرصة للظهور على شاشاتها كما حدث سابقاً. فهذا الرجل الذي يتحدث اللغة العربية بحكم التخصص العلمي، يكرس نفسه وأبحاثه لرسالة تزييف مفادها أن المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في القرآن الكريم مكانه بالقرب من مكة وليس في القدس، وهو يقول صراحةً مخاطباً المسلمين: لقد نشأ الإسلام في مكة وعليه أن يعود إليها وأن يترك القدس لليهود ليبنوا هيكلهم فيها! أعتقد أنه ليس من العقل في شيء أن نكرر خطأ إعطاء هذا الرجل فرصة ترديد أكاذيبه ومنطقه المزيف على أسماع ملايين المشاهدين العرب. إنني أؤكد للفضائيات العربية أنهم في إسرائيل يدققون عند اختيار المعلقين العرب على الأحداث ولا يسمحون بالكلام على شاشاتهم الفضائية إلا لمن يتماشى مع أهدافهم.
وإذا تركنا فك الوعظ سنلاحظ أن فك الاستيطان ومخططاته بدأ في خطة تطويق وعزل القدس الشرقية عن امتداداتها الجغرافية التي تصلها بالمدن العربية الأخرى. الخطوة الأولى في الطريقة المستخدمة هي إقامة مستوطنات يهودية حول القدس الشرقية، وخطوتها الثانية هي الربط بين هذه المستوطنات لتتحول حزاماً عمرانيا يهودياً يحيط بالقدس الشرقية ويعزلها تماماً عن المدن والقرى والأحياء العربية القريبة منها. طبعاً إذا جاء وقت التفاوض على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، فسيكون المشهد العمراني مختلفاً بحيث تمتزج فيه المستوطنات بالقدس الشرقية وندخل في مواجهة الأمر الواقع الذي تم فرضه على الأرض. ومن الأمثلة على ذلك خطة أعلنت الشهر الماضي للربط بين مستوطنة «أفرات» ومستوطنة «تل عيتم» بمستوطنة جديدة تمتد بينهما وبالتالي تمزج بينهما لتشكلا جداراً عمرانياً متصلاً من المستوطنات يفصل مدينة بيت لحم تماماً عن القدس. لقد سمعنا من إسرائيل أصوات الاحتجاج ضد هذه الخطة من القوى العاقلة المنتمية إلى تيار الجوار الحسن مع العرب والتي تريد إنهاء الصراع وضمان الأمن لإسرائيل عن طريق حل الدولتين المتجاورتين اللتين تعيشان في سلام وجيرة حسنة. طبعاً حكومة اليمين الحالية لا تعير هذه الاحتجاجات أي أهمية وهي تمضي في مخططاتها التوسعية المدمرة لفرص السلام العادل والمرضي للطموحات الوطنية الفلسطينية والمشاعر العربية والإسلامية.