بالنسبة لعامة الشعب المكسيكي جاءت زيارة المرشح الرئاسي الجمهوري الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي لبلادهم كسقوط قذيفة مدفع بطريق الخطأ في البحر الكاريبي. ويتعرض المرشح الجمهوري الأميركي لانتقادات واسعة النطاق بسبب تعليقاته السلبية عن المهاجرين المكسيكيين واقتراحه البعيد عن الخيال الخاص بأن تدفع المكسيك كلفة جدار يعتزم بناءه على الحدود، والرئيس المكسيكي أيضاً «إنريك بينا نيتو» نال نصيبه من الانتقادات لأنه بدا كما لو أنه قدم منبراً في العاصمة المكسيكية لترامب كي يحاول إضفاء مشروعية على وعوده الانتخابية. وما زال الغضب شديداً في المكسيك، مما دفع مشرعاً من المعارضة إلى تقديم تشريع استعداداً لاحتمال انتصار ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر. ومشروع القانون المقترح يفوض الحكومة المكسيكية كي تثأر لنفسها من سياسات ترامب العدائية المحتملة، وذكرت تقارير أن هذا التفويض يتضمن إعطاء مجلس الشيوخ المكسيكي السلطة كي يعيد النظر في عشرات المعاهدات الثنائية القائمة مع الولايات المتحدة، والتي تتضمن معاهدة «جوادالوبي هيدالجو» لعام 1848 التي تنازلت المكسيك بموجبها عن أكثر من نصف مليون ميل مربع من أراضيها تتضمن ولايات الجنوبي الغربي الأميركي للولايات المتحدة بعد الحرب بين البلدين. ومن غير المرجح أن يجري إقرار المقترح الذي يحركه السيناتور أرماندو ريوس بيتر، من يسار الوسط، لكنه دليل على شدة الغضب في المكسيك بسبب خطاب ترامب واحتمال فوزه بالرئاسة، ومشروع القانون قد يجعل تمويل الجدار الذي يريد ترامب بناءه على الحدود غير قانوني ويدعو مشروع القانون أيضاً إلى اتخاذ إجراءات مقابلة إذا حاول ترامب منع وصول مليارات الدولارات التي يحولها المكسيكيون في الولايات المتحدة إلى بلادهم. واقتبست رويترز مقتطفاً من مسودة مشروع القانون جاء فيه: «في الحالات التي تتضرر فيها ممتلكات وأصول مواطنينا أو شركاتنا من حكومة أجنبية، كما هدد دونالد ترامب، يجب على الحكومة المكسيكية أن تصادر بالتناسب أصولاً وممتلكات للأجانب من ذلك البلد على أراضينا». ويجاهر ترامب بانتقاداته لاتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا (نافتا) التي مثلت على مدار عقدين أساساً للعلاقات الاقتصادية بين البلدين. ويبلغ حجم التجارة الثنائية الأميركية المكسيكية نحو نصف تريليون دولار في العام. ونقلت صحيفة فاينانشيال تايمز عن ريوس بيتر قوله إن مشروع القانون «يحمي ببساطة العلاقة الناجحة التي عمرها 22 عاماً في النافتا، والتي ساعدت كلا البلدين.. نريد أن نتصدى لموقف يريد أن يدمرها. يتعين علينا أن نوضح الأمر بجلاء شديد». ولا شك في أن التلويح بإلغاء معاهدة «جوادالوبي هيدالجو» مما يمثل رفضاً للأساس القانوني لسيادة أميركا على ولايات الجنوب الغربي وساحل المحيط الهادئ التي كانت جزءاً من المكسيك قبل المعاهدة، يبعث برسالة قوية. وذكرت الصحيفة البريطانية أن مبادرة مشروع القانون هي من بنات أفكار المشرع اليساري السابق أوغستين باريوس غوميث الذي يتزعم مؤسسة «مكسيكو إيمدج فاونديشن» التي تستهدف تحسين صورة البلاد في الخارج. وفي مقابلة مع «فاينانشيال تايمز»، صرح باريوس غوميث متحدثاً عن المقترح قائلاً: «لا نريد هذا.. لكن تمزيق النافتا وتدمير علاقة تشكلت بعناية وتتجاوز التجارة إلى الأمن، سيكون دماراً مؤكداً للجانبين»، وكان باريوس غوميث قد أصدر تحذيرات مماثلة من قبل. وفي مقابلة في وقت سابق هذا العام مع «أميركاز سوسيتي»، وهو مركز بحثي مقره نيويورك، حذر باريوس غوميث من احتمال أن تزعزع سياسات ترامب الاستقرار في المنطقة بشدة. ونقل الموقع عن باريوس غوميث قوله: «ترامب قد يكون طالع شؤم لا يمكن التوقع بنتائجه على اقتصاد أميركا الشمالية». إيشان ثارور كاتب متخصص في الشؤون الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»