تشويه هيلاري
فئة عمرية معينة من الأميركيين ممن يتابعون السياسة عن كثب ما زالت ذكرياتهم حية وإن تكن سيئة عن انتخابات عام 2000 الرئاسية. والذكريات سيئة ليس لأن المرشح الذي خسر التصويت الشعبي انتهى به الحال ليصبح الرئيس، بل لأن الحملات الانتخابية التي أدت إلى هذه الخاتمة كانت كابوسية. فقد كان أحد المرشحين، وهو بوش الابن، غير أمين بدرجة غير مسبوقة في السياسة الأميركية. وأبرز دليل على هذا أنه اقترح تقليصاً كبيراً للضرائب بينما أصر على أن هذا يصب في صالح الطبقة المتوسطة، في منافاة تامة لأبسط مبادئ الحساب.
على امتداد الحملة خلق معظم التغطية الإعلامية الانطباع بأن بوش شخص ودود وصريح، بينما صورت آل جور الذي كانت مقترحاته السياسية ذات معنى وانتقاداته لخطة بوش دقيقة، بأنه مراوغ وغير أمين. والصورة النمطية التي رُسمت عن آل جور استندت في ما يبدو إلى قصص تافهة وغير مهمة وبعضها ببساطة كان زائفاً.
صحيح أنه ليس هناك كثير من الجهود تدّعي أن دونالد ترامب هو مثال الأمانة لكن من الصعب تجاهل الانطباع بأنه يوصف بدرجة ما من الأمانة، مثل الافتراض بأنه لو التزم بالنص لأصبح سلوكه أقرب للسلوك الرئاسي. وفي المقابل هناك افتراض بأن أي شيء تفعله هيلاري كلينتون يتعين أن يكون فاسداً، وأبرز مثال على هذا التغطية الصحفية بشأن «مؤسسة كلينتون».
ولتأخذوا خطوة إلى الوراء لدقيقة وتفكروا في هذه المؤسسة. فحين ترك بيل كلينتون منصب رئيس الولايات المتحدة كان شخصية تحظى بشعبية واحترام دولي. فماذا كان يجب عليه أن يفعل بهذه السمعة؟ لقد كان من السلوك الأخلاقي والعقلاني للغاية أن يجمع مبالغ مالية كبيرة لمصلحة مؤسسة خيرية تنقذ حياة الأطفال الفقراء. ومؤسسة كلينتون بكل المقاييس قوة كبيرة للخير في العالم.
لكنّ هناك زعماً بأن أي عملية تجمع وتنفق مليارات الدولارات تخلق صراع مصالح محتملاً. وهناك إيحاء بأن أسرة كلينتون تستغل المؤسسة لإغداق المال على أصدقائها، وأن هيلاري استغلت منصبها كوزيرة للخارجية لمكافأة المانحين!
ولكم أن تطلعوا على تقرير لـ«أسوشيتد برس» أشار إلى أن اجتماعات هيلاري مع مانحي المؤسسة حين كانت وزيراً للخارجية، تلقي الضوء على «التحديات الأخلاقية المحتملة إذا انتُخبت رئيساً». ونبرة التقرير توحي للمرء بأن يتوقع عقد هيلاري لاجتماعات مع مستبدين أجانب ورؤساء شركات تواجه اتهامات.
إنني أحث الصحفيين على أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا يكتبون التقارير عن حقائق أم أنهم ينخرطون فحسب في الغمز، وأحث الجمهور أيضاً على القراءة بعين انتقادية. فإذا كانت هناك تقارير عن مرشح تتحدث حول شيء ما «يثير تساؤلات أو يخلق» ظلالاً، فعلى المرء أن يدرك أن هذا كلام مبطن يُستخدم لخلق الانطباع بأن هناك مخالفات.
وأرى أن أفضل طريقة للحكم على شخص المرشح هو النظر إلى ما فعله بالفعل والسياسات التي يقترحها. وسجل ترامب في مضايقة الطلبة والتضييق على المتعاقدين وطريقته في التصرف كمرشح.. كلها لا تبشر بخير. وأكاذيب بوش الابن جعلتني أعرف ما هو أفضل بكثير مما قدَّمتْه لي التقارير الصحفية عنه كشخص في عام 2000. والتناقض بين عدم اتساق سياسات ترامب ودقة هيلاري يخبرنا بالكثير. لذا أرجو التركيز على الحقائق لأن أميركا والعالم لا يتحملان انتخابات أخرى يحركها الغمز واللمز.
بول كروجمان
كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»