تاريخياً، اهتمام أهل الخليج بالفن والأدب والشعر قديم، فقد اعتادوا على اصطحاب فنانين في رحلة الغوص التي تدوم عدة أشهر، حيث يحرصون على وجود اثنين من الفنانين في كل سفينة، للترفيه عنهم وقت الراحة من العمل طوال اليوم. كما كان يحرص أهل الصحراء على الغناء والشعر في حالات الفرح أو الحرب. واستمر الوضع كذلك حتى بعد اكتشاف النفط، فالحدادون وعمال البناء وغيرهم، يغنون وهم يعملون. أذكر جيداً عندما كنا في المدارس الابتدائية في الخمسينيات، كانت ضمن مناهجنا المدرسية مادتا الرسم والموسيقى، أما في الثانوية فقد تعلمنا الفن المسرحي، وكانت الموسيقى والأفراح متوفرة في الفنادق والمطاعم طوال فترة الستينيات حتى الهزيمة العربية عام 1967 وتقهقر المد القومي وارتفاع المد الإسلامي في المنطقة العربية، حيث هيمنت الجماعات المؤدلجة على التعليم والإعلام ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. وفجأة تم إلغاء مادتي الرسم والموسيقى أو جعلهما اختياريتين، أو ضمن الأنشطة المدرسية اللا صفّية، أي خارج الدوام الرسمي. اليوم، بعد تزايد وتيرة التطرف الديني والإرهاب بين شبابنا الخليجي، بدأت دول الخليج تعيد النظر في سياساتها وبدأت تهتم بالثقافة بشكل عام، سواء في مجال الفن والمسرح والسينما أو الأدب والشعر. حتى إن بعض دول الخليج أصبحت تقيم مهرجانات للسينما والمسرح والغناء وغيرهما بشكل سنوي لجلب السياح، وهذا أمر طبيعي ومطلوب وعليه إقبال كبير. الجديد اليوم في دول الخليج في المجال الثقافي هو تشييد دور للأوبرا فخمة وجميلة ومكلفة، وكذلك فتح متاحف ودور عروض فنية راقية ذات مستوى عالمي. كانت سلطنة عُمان الدولة الأولى في الخليج والثانية على مستوى الوطن العربي التي شيدت داراً للأوبرا، هي الأوبرا السلطانية التي افتتحت عام 2011، وسوف يتم قريباً افتتاح دور الأوبرا في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، كما ينتظر في الكويت إقامة دور مماثلة. والسؤال هو: هل فن الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية من تراثنا العربي الإسلامي، أم هي من الموروث الأوروبي الغربي البحت؟ وهل هنالك إمكانية لنجاح هذا الفن الراقي المميز في دولنا التقليدية؟ إن اهتمام قادة بعض دول الخليج بهذا الفن المتميز، ينبع من أهميته كفن موسيقيّ راقٍ وثريّ، وذلك في محاولة جادة للارتقاء بالذوق العام ومواكبة المستوى العالمي. شبابنا الخليجي خاصة، والعربي عامة، لديهم اهتمامات بالموسيقى الغربية الصاخبة، وهذا شيء طبيعي ما دام الشباب يبحثون عن الجديد دائماً. لكن ماذا عن نجاح الموسيقى الكلاسيكية والغناء الأوبرالي؟ إن نجاح تبيئة الموسيقى الراقية يعتمد اعتماداً تاماً على غرس الثقافة الفنية الراقية لدى الأطفال في المدارس الابتدائية، وتعويدهم على سماع وممارسة الأدوات الموسيقية العصرية. إننا لا نبالغ عندما نقول إن إقبال الشباب الخليجي على عزف الكمان أو البيانو أو العود العربي، قد وصل إلى المستوى العربي والدولي. إن نفاد التذاكر لحضور عروض الموسيقى الكلاسيكية وغناء الأوبرا، لَدليل قاطع على تقبل شعوبنا لكل جديد. ولذلك تحرص دول الخليج على استقطاب السياحة عن طريق العروض الفنية.