الهند وباكستان.. مشكلات في ذكرى الاستقلال
مع احتفال الهند وباكستان بمرور 70 عاماً على الاستقلال عن الحكم البريطاني، أشادت الدولتان بالتقدم والتنمية الذي حققتاه منذ التحرر من الحكم الاستعماري. ورغم أنه مما لا شك فيه أن الجارتين جنوب الآسيويتين أحرزتا تقدماً كبيراً كل بطريقته الخاصة في مجالات مختلفة لكنهما أخفقتا بشكل مؤسف في مواجهة سموم عدم التسامح المتزايدة في المجتمع، والحفاظ على القيم الإنسانية التي اشتهر بها سكان شبه القارة الهندية منذ عهد سحيق في التاريخ.
ولا أحد ينكر أن دولة باكستان التي قامت بعد تقسيم الهند إلى دولتين قطعت خطوات كبيرة على طريق التقدم، فقد ترك البريطانيون البلاد في حالة فقر شديد. والدولة التي كانت فقيرة ذات يوم حققت رخاءً كبيراً لشعبها، واليوم لديها اكتفاء ذاتي في عدد من المناطق وصناعاتها الحربية تقدمت كثيراً فهي لا تنتج الأسلحة الخفيفة والدبابات المقاتلة فحسب، بل لديها أيضاً قدرات نووية كبيرة، لكن بعد مرور 70 عاماً على تأسيس باكستان، تعيش إسلام آباد حالة من عدم اليقين المتزايد بشأن المسار الذي تمضي فيه البلاد في غمرة مشكلات مثل الفساد وأزمة الطاقة وتقليص الفقر والتصدي للإرهاب.
ومن الجدير بالذكر أن باكستان ظلت تدعم عبر سنوات عناصر من جماعة «طالبان» ضمن سياسة للحفاظ على نفوذها في أفغانستان، لكن السحر انقلب على الساحر، فقد اختلط عدد من المتشددين الأفغان بالمجتمع الباكستاني واستقطبوا متعاطفين باكستانيين لإنشاء عدد من الجماعات الإرهابية الأصغر. وهذه الجماعات تحدت باكستان بعد انضمام البلاد إلى الولايات المتحدة في الحرب ضد «القاعدة» عام 2001، وبعد أن غادرت القوات الأميركية أفغانستان تحول تركيز هذه الجماعات إلى شن هجمات على الجيش الباكستاني والمدنيين داخل باكستان نفسها، وقتل هؤلاء الإرهابيون آلاف الباكستانيين الأبرياء في المساجد والأسواق والساحات العامة. وهذا الشهر، على سبيل المثال، استهدف انتحاريون مستشفى كويتا الحكومي في باكستان، وقتلوا أكثر من 70 شخصاً. وقبل أربعة شهور فحسب أودى تفجير انتحاري في واحدة من أكبر الساحات العامة في لاهور بحياة 75 شخصا على الأقل، وأعلنت جماعة مغمورة تطلق على نفسها جند الله وتدعي انتسابها لـ«داعش» مسؤوليتها عن مذبحة لاهور.
وبينما تعاني باكستان من كونها أصبحت هدفاً للجماعات الدينية المتطرفة، تواجه أيضاً قضايا أخرى مثل الفساد الحكومي وعدم استقرار الوضع السياسي وتوتر العلاقات مع الهند بسبب قضية كشمير، فقد انصرف تركيز صانعي القرار السياسي في إسلام أباد إلى الاهتمام بسيطرة الهند على كشمير. وأضر هذا بباكستان لأنه صرف اهتمامها بعيداً عن القضايا الحقيقية مثل ضعف وسائل الحكم والتطرف الديني في البلاد، كما أن المجتمع الدولي يستهجن باكستان لدعمها مقاتلين يتسللون إلى داخل كشمير ومناطق أخرى من الهند، وهذا لم يؤد إلى نفع باكستان، ولا إلى نفع سكان كشمير الذين يقاتلون من أجل الحكم الذاتي منذ 70 عاماً.
وبينما تعاني باكستان من المشكلات المذكورة آنفاً، تواجه الهند أيضاً مجموعة خاصة بها من المشكلات، فقد حققت نيودلهي قطعاً إنجازات كثيرة في السنوات السبعين الماضية، واستطاعت أن تنقذ مئات الآلاف من وهدة الفقر، وحققت الاكتفاء الذاتي من الغذاء وأصبحت واحدة من أكثر اقتصادات العالم نمواً، وأقامت جيشاً قوياً وبرنامجها الفضائي وتقدمها في تكنولوجيا المعلومات موضع إشادة من العالم. لكن النمو الاقتصادي المصحوب باضطراب اجتماعي يشكل خطراً على البلاد. وعدم المساواة الاجتماعية تتزايد مع تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وصعود تطرف عناصر من الجناح اليميني الهندوسي يهدد النسيج العلماني للبلاد. والمنبوذون وهم أفقر الطبقات وأدناها في النظام الطبقي الهندي وقعوا ضحية لهذا النظام. والمسلمون وقعوا أيضاً ضحية جماعات تقديس الأبقار، حيث هاجم أعضاؤها مسلمين وقتلت بعضهم بناء على مجرد إشاعات ومزاعم باطلة بأنهم تناولوا لحوم البقر.
وعلى مدار شهر واحد فحسب اندلعت احتجاجات عنيفة في المنطقة التي تسيطر عليها الهند من كشمير، ومنذ 35 يوماً حتى الآن أصبحت كشمير مغلقة تماماً أمام العالم الخارجي، وأكثر من 60 شخصاً قتلوا في شهر واحد، وأُصيب الآلاف بجروح، كما أن استخدام قوات الأمن الهندية طلقات الخرطوش لكبح الاحتجاجات فاقم الوضع وأجج المشاعر السلبية تجاه دولة الهند، وإذا لم تبدأ الحكومة في السعي للتوصل إلى حل سياسي والتواصل مع كل الأطراف، فإن سكان كشمير سيظلون محرومين من الحقوق، والطريقة الوحيدة لإحلال الهدوء هناك هو العمل نحو التوصل إلى حل سياسي.
ولا يمكن حل مشكلة كشمير بإعلان صفقات اقتصادية وتوفير وظائف للشباب الكشميري الذي يتصدر الاحتجاجات الحاشدة في كشمير، بل يتعين تحقيق الطموحات السياسية للشعب، وهو أمر ليس بالسهل، لأن كشمير أصبحت قضية هيبة وكبرياء قوميين للبلدين، لكن مع احتفال الهند وباكستان بالعيد السبعين لاستقلالهما، فمن الواضح أنه قد حان الوقت أن يعيدا النظر في التحديات التي تنتظرهما، وأن يجدا الوسيلة لمعالجتها للصالح العام لشعبيهما.
د. ذِكْرُ الرحمن*
*مدير مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي