لا تخافوا من ثورة «الروبوتات»!
كان زميلي ديفيد إغناتيوس على حق عندما أشار في مقالته المنشورة في صحيفة «واشنطن فوروم» بتاريخ 12 أغسطس الجاري تحت عنوان «عندما تسرق الروبوتات كل مناصب العمل»، إلى أن ملايين الوظائف أصبحت مهددة بالانقراض بسبب بعض الابتكارات الجديدة مثل السيارات ذاتية القيادة وأنظمة تمييز الأصوات والمكونات الليّنة الذكية «السوفتوير» بنفس الطريقة التي تعرضت بها أيضاً ملايين الوظائف للإلغاء بسبب الحاصدات الميكانيكية وأشعة الليزر ذات الدقة البالغة وأجهزة الكمبيوتر. وستتجلى نتائج هذا التطور في تغيرات اقتصادية مهمة. ومثلما حدث عندما اقتنصت ظاهرة العولمة كثيراً من فرص العمل، فإنْ لم يتبنَّ الرابحون سياسة أفضل للحفاظ على الأمن الاقتصادي لفئة الخاسرين، فسيؤدي ذلك إلى رد فعل عنيف.
ومع ذلك، فإن هناك كثيرين أمثال إغناتيوس يتخوفون من أن تكون هذه الموجة الصادمة من التطور التكنولوجي مختلفة، ويتمنون ألا تكون كافية في النهاية لحرمان ملايين الناس من فرص العمل والكسب من أجل مواصلة الحياة والإنتاج.
ويواجه هؤلاء المتشككون ظروفاً صعبة عندما يحاولون تصور ما يمكن لسائقي سيارات الأجرة والمحاسبين فعله بعد أن تصرفهم الثورة التكنولوجية الجديدة من أعمالهم. إلا أن التجارب التاريخية تفترض بقوة أنه ستكون هناك في المقابل وظائف جديدة ومتوفرة، وبأجور لا تقل عن تلك التي يتقاضاها العاملون في بقية القطاعات الاقتصادية.
وعلى كل إنسان أن ينتبه قبل أي شيء آخر إلى أن هذه القفزات التكنولوجية ستتبناها الشركات حتى تتمكن من تخفيض تكاليف الإنجاز والإنتاج. ولهذا السبب، فسيشتري الناس كمية أكبر من الخدمات والسلع التي يبيعونها، وبما يزيد الطلب على هؤلاء العمال المنتجين إلى الدرجة التي تعوّض عن فقدان وظائف العمل بسبب الأتمتة.
وقبل جيل مضى، مثلاً، كان السفر الجوي باهظ التكلفة إلى درجة أنه لم يكن متاحاً إلا للأغنياء. غير أن التطورات التي طرأت على تكنولوجيا تصميم وبناء الطائرات وابتكار أنظمة حجز المقاعد بواسطة أجهزة الكمبيوتر غيّرت هذا الواقع تماماً. والآن أصبح ملايين الأميركيين يسافرون بالطائرات لإنجاز أعمالهم أو لأغراض المتعة والسياحة أو للعودة إلى الوطن لقضاء الإجازات. وانخفض في مقابل ذلك عدد الموظفين المكلفين بالتحضير للرحلات الجوية وزاد عدد الطائرات التجارية بشكل كبير.
ولا تقتصر عوائد وفوائد هذه الزيادة المسجلة في معدل الإنتاجية على انخفاض الأسعار التي يدفعها المستهلكون لقاء التمتع بهذه الخدمات، بل إنها زادت أيضاً من الطلب على الموظفين الأكفاء ذوي الأجور المرتفعة. وتذهب بقية العوائد إلى الشركات وحملة الأسهم على شكل أرباح متزايدة. ودعونا لا ننسى أيضاً مناصب العمل الجديدة ذات الأجور الضخمة التي أفرزتها الحاجة المتواصلة لتطوير قطاعات التصميم والتصنيع والتسويق على رغم أن هذا التطور التكنولوجي بحد ذاته هو الذي يقضي على مناصب العمل ذات الأجور المنخفضة. وبسبب المدخول المادي المرتفع للعمال المهرة، أو من تبقى من العمال، بالإضافة إلى حملة الأسهم ومنتجي التكنولوجيا، فإنهم سيشترون سلعاً وخدمات من كل الأنواع ليزيدوا بذلك الطلب عليها وبما يصبّ في فائدة العمال ذوي الأجور المنخفضة أيضاً.
ويمكن تلخيص هذه الدورة بطريقة أبسط. وهي أن الرابحين من التكنولوجيات التي تعجل بتلاشي مناصب العمل سيعملون على توظيف عدد أكبر من عمال الأجور المنخفضة مثل عمال صيانة الحدائق ومربيات الأطفال وما شابه ذلك من وظائف لا تحتاج إلى كفاءة عالية. كما أن العمال المهرة سيفوزون بعطل أكثر، ويتناولون عشاءهم في المطاعم، ويشترون السيارات والقوارب واليخوت والبيوت الفاخرة، أكثر من غيرهم. فضلاً عن كون هذه الشريحة تساهم أيضاً في تنشيط خدمات أخرى مثل إصلاح وخدمة السيارات والتدريب والتعليم والطبابة النفسية وغيرها، وبعضها من الخدمات ذات الأجور المنخفضة.
وقد أصبحت الطريقة الوحيدة المتاحة أمام شركات تشغيل العمالة ذات الأجور المنخفضة من أجل مواجهة الزيادة المتواصلة في الإقبال على خدماتها، تكمن في زيادة أجور العمال حتى لا يغيّروا وجهة عملهم. ونضرب مثلاً على ذلك بأن مدرب رياضة «اليوغا» في المدن الأميركية الكبرى يمكنه أن يربح ما يصل إلى 30 دولاراً في الساعة الواحدة. وهذا الأجر لا يختلف كثيراً عن ذلك الذي يتقاضاه الموظفون ذوو الكفاءة العالية. ونحن نعلم أن الموظفين الكتبة والعمال كانوا يشكلون قبل انطلاق الثورة الصناعية الطبقة العاملة الجديدة أو العصرية.
كما أن الموظفين والعمال الذين يفقدون مناصب عملهم بسبب التطور التكنولوجي، لابد أن تبقى لديهم الرغبة في البحث عن فرص جديدة، كأن يتعلموا بعض المهارات، أو يرحلوا إلى مدن أخرى. وإذا لم ينجحوا في فعل ذلك فستصبح قدرة الاقتصاد على تأمين الوظائف لكل العمال مثيرة للإحباط.
ويقول المشككون في هذا الدور الذي تلعبه التكنولوجيا إن المحاسب المالي الذي ينتزع منه برنامج تطبيقي ذكي وظيفته ليس من المحتمل أن يتحول إلى مهندس متخصص بابتداع البرامج التطبيقية الحاسوبية.
------------
ستيفن بيرلشتاين*
كاتب ومحلل اقتصادي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»