واجهت جولة التفاوض بين الحكومة والمعارضة السودانية فشلاً آخر في أديس أبابا يضاف إلى الجولات السابقة التي أصبحت السمة الظاهرة لمساعي الاتحاد الأفريقي «ممثَّلاً في الرئيس أمبيكي»، والتي شارك فيها المجتمع الدولي، ممثَّلاً في الأمم المتحدة، وأمينها العام، والاتحاد الأوروبي، وجهات أخرى وجدت أن المسألة السودانية المعقدة تحولت إلى مسألة عالمية تؤثر على مصالحها. وانفض سامر المتفاوضين في أديس أبابا، ولم يكتمل الحديث عن أجندة الاجتماع وتوقف عند العقبة الدائمة حول طلب الجانب المعارض إصدار قرار من الحكومة بإيقاف العداءات «القتال في جبال النوبة ودارفور» لمدة ستة أشهر تمكن المنظمات الإنسانية من إيصال المعونات «الدواء والطعام وخلافه» إلى المتضررين من أهالي المنطقتين، بينما لا يزال الجانب الحكومي مصراً على فترة شهر واحد لإيقاف القتال وفتح الممرات الآمنة ليصل العون الدولي. إن تفاصيل ما جرى في جلسات التفاوض «المبتورة» ممكن الاطلاع عليه في بعض النشرات والصحف الإلكترونية الصادرة في خارج السودان.. ومع ذلك، فإن تفاصيل ما جرى في جلسات التفاوض الأخيرة الفاشلة في أديس أبابا لا يختلف كثيراً عما جرى من قبل في جلسات سابقة بدأت منذ أكثر من عامين عندما طرح الرئيس مشروعه للحوار الوطني المعروف بحوار الوثبة، والذي تفرقت بسببه الطرق بين قوى المعارضة الديمقراطية، فهنالك من سارع لانتهاز فرصة الحوار للعودة إلى مكانه الطبيعي «حزب المؤتمر الشعبي- الترابي» من دون شروط مسبقة أو لاحقة. والحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل». وهنالك من رفض إلا بالشروط التي توافقت عليه قوى المعارضة تجمع القوى الوطنية. قبيل مغادرته أديس أبابا قال الصادق المهدي في مقابلة صحفية إنه سيعد مبادرة جديدة باسمه وسيعرضها على كل الأطراف، وهو متفائل بأن مبادرته الجديدة ستلقى القبول من الجميع، خصوصاً أن جولة التفاوض «المبتورة» قد كشفت له أن المواقف بين الحكومة والمعارضة قد تقاربت بدرجة كبيرة وتحتاج إلى تحرك يقبله الطرفان، وأكد أن اهتمامه الأكبر منصب الآن على إيقاف القتال وإيصال العون الإنساني للأهالي المتضررين في مناطق الحرب مما سيفتح الباب للسلام وللحوار الوطني الجاد، ومن ثم السعي إلى تحقيق مطالب السودانيين في السلام والاستقرار الوطني... وهذا الموقف موقف مبدئي بالنسبة إلى المهدي. إن الكلمة المفتاحية في كل هذا الموقف الذي يبدو معقداً في نظر كثير من «الأجانب» هي «كلمة الثقة» التي تتكرر دائماً في كل جولة من جولات التفاوض، وفي كل بيانات المعارضة.. فالثقة معدومة بين الحكومة وبعض معارضيها، وعندما تنعدم «الثقة» يبن طرفين بينهما «مشكلة» يرغبان في حلها، تظل المشكلة قائمة والحل عصياً، فإذا كانت السلطة ترغب فعلاً في حل «المشكل السوداني»، فبيدها أن تتقدم بخطوات تتحقق بها «الثقة» المعدومة، مثلاً أن تبدأ بتغليب روح المصالحة ورفع حالة الطوارئ وإطلاق الحريات العامة.. إلخ، فخطوات كهذه قد يرى فيها الناس جدية في التفاوض مفقودة الآن.