قبل الدخول في موضوع قد يكون أثيراً على بعضنا، يتوجّب علينا معرفة أن الفنانين الإيطاليين مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي أصبحا بمرور الوقت ليس فقط مدرستين فنيتين، بل مدرستين إداريتين، الأولى تقوم على «التحدي» والثانية تقوم على «الانتقائية». ويمكن لأحدنا من الآن النظر إلى أي المدرستين ينتمي؟ من خلال مراقبة الطريقة التي يعتمدها في تنفيذ أعماله داخل المؤسسة أو الشركة التي يعمل فيها. لكن دعونا نتعرَّف نبذة مختصرة عن الفنانين المذكورين. مايكل أنجلو وُلد في القرن الرابع عشر وتوفي في الخامس عشر عن 88 عاماً. من أشهر لوحاته «النبي داوود» و«يوم القيامة»، ولعل أنجلو هو الفنان الوحيد الذي كتب المؤرخون سيرته الذاتية قبل مماته. كان له أثر بالغ على الحركة الفنية في أوروبا تحديداً في عصر النهضة الوسيط. تميز أنجلو بطريقة عمل تعتمد على «التحدي» في أعماله الفنية وفي إدارته لحياته. كان رساماً ونحاتاً ومهندساً معمارياً وشاعراً. أما الفنان ليوناردو دافنشي، فوُلد في القرن الرابع عشر وتوفي في الخامس عشر عن 67 عاماً. أي في الفترة التاريخية نفسها التي وُلد فيها أنجلو. كان فناناً نابغاً، رساماً ونحاتاً ومهندساً معمارياً ومثقفا ًموسوعياً، عالم نبات وعالم خرائط، كما كان جيولوجيا وموسيقياً. اعتبرته البشرية «أحد أعظم عباقرتها»، وأطلقوا عليه أوصافاً منها «صاحب الفضول الجامح» و«الخيال الإبداعي المحموم». من أشهر أعماله الفنية لوحة «الموناليزا». وهو على خلاف «أنجلو» المتحدي، كان «انتقائياً» في أعماله، وكذلك في إدارة حياته. بهذا نكون أمام شخصين - مدرستين، مدرسة التحدي (أنجلو)، ومدرسة الانتقائية (دافنشي). في إدارات مؤسسات القطاعين العام والخاص وعلى مستوى العالم، هنالك من اعتمد نظام المدرستين كمعيار توصيفي لموظفيه، وذلك من خلال مراقبة الطريقة التي يعمل بها الموظف، حيث تبين الطريقة للمؤسسة إلى أي المدرستين ينتمي هذا الموظف أو ذاك، مدرسة التحدي أم مدرسة الانتقائية؟ على الرغم من أن المنتمين إلى المدرستين معاً يعتبران جيدين ولا غبار عليهما، لكن الفرق الوحيد الذي قد يميز موظفاً عن آخر، وهذه المدرسة عن تلك، هو حجم الإنتاج، فمنتسبي مدرسة «أنجلو» إنتاجهم غزير وجيد، أما منتسبي مدرسة «دافنشي» فإنتاجهم أقل لكن جودته أعلى قليلاً. بمعنى أبسط، المنتمي إلى مدرسة التحدي لأنجلو ينفذ كل الأعمال التي توكل إليه، والتي لا توكل إليه، يمتلك الفضول والاستعداد أن يتطفل على أعمال الغير في المؤسسة، ويطلب التدرب عليها للقيام بها. أما المنتمي إلى مدرسة الانتقائية لدافنشي فعلى خلاف ذلك، ينتقي عملاً أو أكثر من الأعمال الموكلة إليه، ويقوم بتنفيذه بتركيز شديد ويجعله متميزاً. أنجلو مدرسته شعارها «قم بالأعمال كلها ولا تترك منها شيئاً.. هل من مزيد». أما دافنشي فمدرسته شعارها «لا تناقش كثيراً في الأعمال المعروضة عليك، تأمّلها لتأخذ منها عملاً أو اثنين ونفذهما بإبداع». المنتمون إلى مدرسة أنجلو يصبحون مرجعاً في مؤسساتهم، الجميع يسأل عنهم إما للتأكد من معلومة أو قانون، وإما للتأكد من صحة ودقة العمل الذي يقومون به. المنتمون إلى المدرسة المقابلة، مدرسة دافنشي، يصبحون مبدعين مشهورين يمتلكون حظوة لدى مديريهم العامين ورؤساء مجالس الإدارة، لكن يظلون متعبين وليس خلواً من الثقة الزائدة التي قد تفضي إلى الغرور. بيت القصيد في كل ما تقدم: إن المؤسسة ستكون حريصة على التمسك بمنتسبي مدرسة أنجلو كون أحدهم يستطيع أن يحل محل أي موظف متغيب أو مستقيل. في حال منتسبي مدرسة «دافنشي»، فالمؤسسة ورغم حاجتها إلى إبداعهم، فإنها لن تُبدي حرصاً «شديدا» على الاحتفاظ بهم حينما ينوون الاستقالة منها ومغادرتها. مقطع القول: ما يهمك هو أن تطور إمكاناتك ومهاراتك باستمرار، بصرف النظر إلى أي المدرستين تنتمي.