ملامح الصحافة الفرنسية
تهديد جديد لحلم تركيا الأوروبي.. وحدود خطاب ترامب الشعبوي
لوفيغارو
في صحيفة لوفيغارو نشر الكاتب اليميني إيف تريّار مقالاً بعنوان: «سياسة النعامة» انتقد فيه بشدة سياسة الحكومة تجاه منطقة «كاليه» الساحلية، التي تتجمع فيها مخيمات فوضوية من المهاجرين السريين الطامحين لعبور نفق بحر المانش (القنال الإنجليزي)، بغية الوصول إلى بريطانيا. ويرى الكاتب أن أهالي تلك المنطقة تُركوا يكابدون الجحيم وسط التحديات التي يفرضها وجود هؤلاء المهاجرين السريين، دون سند من أحد، في مواجهة الفوضى والجريمة وللاقانون، منذ خمسة عشر عاماً متواصلة. ففي ضواحي تلك البلدة منطقة انعدام قانون تقام فيها مخيمات عشوائية، يتكدس فيها 7 آلاف مهاجر سري، قدم معظمهم من أفريقيا لأسباب اقتصادية، بهدف الوصول بأية طريقة إلى إنجلترا، التي لا تريدهم بطبيعة الحال.
وفي هذه المخيمات الفوضوية يسود التهريب من كل نوع يمكن تخيله، وتتفشى أعمال العنف التي قد لا تخطر على بال، هذا على رغم وجود قرابة ألف من رجال الشرطة والدرك الفرنسيين، تكاد تقتصر مهمتهم على مراقبة الموقف من بعيد حتى لا تسقط المدينة أو تحاصر أو تنهب. وفي كل ليلة يُلقى ما بين مئة ومائتي قنبلة مسيلة للدموع من طرف قوات حفظ النظام لاحتواء الطوفان. وفي الأخير قال الكاتب إنه يمكننا أن نفهم، بطبيعة الحال، مقتضيات الاتفاقات الثنائية الموقعة بهذا الصدد مع بريطانيا، والتي تجعل حدودها في الواقع هنا عندنا على الأراضي الفرنسية، وليس هناك على الساحل الآخر من بحر المانش! ولكن في المجمل دعا الكاتب الحكومة الفرنسية لتبني مقاربة أكثر فعالية، وأقل إضراراً بمصالح وسلامة وراحة سكان بلدة «كاليه».
لوموند
نشرت صحيفة لوموند افتتاحية بعنوان: «تركيا: مزايدة أردوغان المحفوفة بالمخاطر»، قالت في بدايتها إن الرئيس التركي نثر ما في جعبته يوم الأحد الماضي في إسطنبول، أمام التظاهرة الكبرى التي نظمها مؤيدوه بحضور قادة أحزاب المعارضة الرئيسة، حيث قال بالحرف الواحد: «إذا كان الشعب يريد تطبيق عقوبة الإعدام، فستمتثل الأحزاب لرغبته». والآن بعد مرور ثلاثة أسابيع على الانقلاب الفاشل الذي دبّر ضده نظامه، يواصل الرئيس أردوغان تأكيد عدم ممانعته في إعادة العمل بعقوبة الإعدام، وقد قال لصحيفة لوموند نفسها في مقابلة خصها بها يوم الثلاثاء الماضي، 9 أغسطس الجاري: «إذا قرر البرلمان إعادة العمل بالعقوبة القصوى (الإعدام)، فلن نأبَه أبداً لما يراه الآخرون، بل سننفذ ذلك». والآخرون المشار إليهم هنا، كما يفهم بيُسر، هم الأوروبيون، الذين يعتبرون وقف العمل بتنفيذ عقوبة الإعدام شرطاً أولياً لازماً قبل التفكير في التقدم لعضوية الاتحاد الأوروبي. ولذا اعتبرت الصحيفة أن الرئيس التركي، البارع عادة في قراءة مزاج الرأي العام، لن يتردد في إذكاء روح الانتقام لدى أغلبية من مواطنيه، تجاه العسكريين الانقلابيين. وفوق ذلك فقد ذكّر أيضاً في مقابلته مع لوموند بأن عقوبة الإعدام ما زال معمولاً بها «في العديد من البلدان»، وفي الذهن هنا تطبيقها في عدة ولايات أميركية، واليابان، والصين، وغيرها، حتى إن كان في «أوروبا بشكل خاص قد جرى إلغاؤها».
واعتبرت الصحيفة أن رئيس الوزراء التركي وبعض الدبلوماسيين الأتراك حاولوا احتواء ردود الفعل على هذه التصريحات، مشيرين إلى أن الأمر يبقى في النهاية بيد البرلمان، ولكن إذا تذكرنا أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان يمثل أغلبية في البرلمان، فإن القرار النهائي والكلمة الأخيرة بهذا الصدد يبقيان في الحقيقة بيد الرئيس التركي نفسه. وكلام الرئيس يفهم منه الاستعداد لإعادة العمل بهذه العقوبة، وزاد الأمر تعقيداً سخط أردوغان على انتقادات الغربيين لما يسمونه قمعاً واسعاً جرى بعد فشل الانقلاب في 15 يوليو، وهي انتقادات ربما دفعته إلى رفع قفاز التحدي، ورفع سقف المزاد، وذلك لأنه يعرف في قرارة نفسه أن إعادة العمل بعقوبة الإعدام يعني، بالمختصر المفيد، التخلي عن الحلم التركي القديم بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ومن المعروف أن قضية عقوبة الإعدام ظلت لأكثر من عشرين سنة بمثابة عقدة في علاقات أنقرة وأوروبا. وقد وقع إلغاء هذه العقوبة من طرف حكومة بولند أجاويد، الزعيم المخضرم لليسار القومي، وقد صوت على ذلك البرلمان في سنة 2002. وصدّق على ذلك القرار بعد سنتين، حزب العدالة والتنمية، وهو حزب أردوغان نفسه. وقد سمحت تلك الخطوة بانطلاق المفاوضات حول العضوية مع الاتحاد الأوروبي في 2005. وغني عن التذكير الآن أن العودة إلى عقوبة الإعدام تعني نهاية مسار التفاوض حول العضوية، إذ «لا أحد يمكن أن يصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي من خلال إعادة العمل بعقوبة الإعدام»، كما ذكّرت فيديريكا موغريني، بذلك مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية. وهنا ترى الصحيفة أن أردوغان لا يخفي استعداده لمزيد من التصعيد، فقد اتهم الأوروبيين بعدم المصداقية، ملوحاً بإمكان إلغاء الاتفاق حول المهاجرين الذي تم التوصل إليه منذ أشهر مع الاتحاد الأوروبي. كما جاءت المصالحة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي التقاه يوم الثلاثاء الماضي في سان بطرسبورغ، لتزيد من دواعي القلق. والأخطر من هذا بالنسبة للغرب، أن الخلاف غير القابل للحل حول عقوبة الإعدام، يمكن أن يؤدي إلى تغير في طبيعة وخريطة التحالفات الجيوستراتيجية الكبرى، سيكون بالغ الخطورة، بالنسبة لجميع الفاعلين الإقليميين والدوليين وسط تحديات الهشيم الشرق أوسطي الراهن المثير لكل أشكال الأرق والقلق.
ليبراسيون
في صحيفة ليبراسيون اليسارية كتبت إزابيل بارت، الأستاذة بجامعة ستراسبورغ، مقالاً بعنوان: «السيد ترامب، أنت مفصول»، اعتبرت فيه أن المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب، الذي كسب حملة التصفيات التمهيدية على مستوى حزبه، إنما فعل ذلك بنوع من الخطابة الشعبوية والدعاية الاستعراضية، على طريقة تلفزيون الواقع، ولكن معظم تلك الأدوات والطرق الدعائية ارتدّت عليه الآن، كما انفجرت تقريباً فقاعة الوهم الذي أشاعه بأنه رجل أعمال ناجح سيتمكن من إدارة الولايات المتحدة، الدولة الأكبر في العالم، على طريقة إدارة الشركات، وكأن العمل السياسي المطلوب من زعماء الدول يمكن مقارنته من أي وجه بطريقة عمل البيروقراطيين والمديرين التنفيذيين للشركات. واعتبرت الكاتبة أن دعاية ترامب، التي انطلت حتى الآن على شرائح من جمهور ناخب محبَط، لا يمكن أن تستمر في الانطلاء على أغلبية الناخبين، وخاصة أن التمايز بات يزداد وضوحاً في الحملة بين عالم السياسة وعالم التجارة وإدارة الشركات. ومع التقدم في زمن الحملة إلى الأمام باتجاه يوم الاستحقاق الانتخابي في نوفمبر المقبل تتراجع فرص ترامب في بيع الوهم، فقد عبر كل الخطوط الحمراء أكثر من مرة، من خلال تجاوزه كل الحدود المعقولة والمقبولة في الخطاب الشعبوي، وهو ما يعني، استطراداً، احتمال استبعاده أو حتى فصله، لعدم الكفاءة السياسية.
إعداد: حسن ولد المختار