لعلكم تتذكرون الهجوم الذي شنه مسلح معتوه على نادٍ في أورلاندو، فلوريدا في يونيو الماضي، وأدى إلى مصرع 49 شخصاً، وحظي حينها بتغطية إعلامية واسعة، وأحدث صدمة وطنية كبيرة. تخيلوا الآن، أن هذه المذبحة تحدث، بنفس معدل الخسائر، خمس مرات يومياً، لمدة سبعة أيام في الأسبوع، وعلى مدى خمس سنوات بلا توقف، وأن إجمالي الخسائر فيها وصل إلى 470 ألف قتيل تقريباً. هذا بالضبط هو ما يحدث في سوريا الآن. ومع ذلك، ففي الوقت الذي ترتكب فيه الحكومتان السورية والروسية جرائم حرب، وتقصفان المستشفيات وتجوعان المدنيين، يبدو أوباما، ومعه بقية العالم وكأنهم لا يأبهان بما تفعلانه. أنا أحمل إعجاباً لأوباما لقيامه بتوسيع نطاق الرعاية الصحية، ونجاحه في تجنب أزمة نووية مع إيران، ولكن سماحه باستمرار حرب سوريا الأهلية، ومعاناتها من دون عائق، يعتبر في رأيي أسوأ خطأ ارتكبه في تعامله مع هذا الملف، لأنه يلقي بظلال من الشك على تركته برمتها. ليس هذا فحسب، بل إن ذلك يمثل أيضاً وصمة عار على جبيننا جميعاً، شبيهة بالوصمة التي نتجت عن لامبالاتنا، تجاه ما كان يحدث في البوسنة ورواندا في تسعينيات القرن الماضي، وفي إقليم دارفور السوداني في سنوات الألفية. هذه أزمة تصرخ مناديةً القيادة الأميركية، التي لم يظهر أوباما ما يكفي منها حتى الآن. ربما يكون الرئيس الأميركي على حق في حذره من التورط العسكري، خصوصاً وأننا لا نعرف ما إذا كان سيقدر للمقاربات الأكثر إقداما التي تحبذها هيلاري كلينتون، والجنرال ديفيد بيترايوس، وكثيرون غيرهما أن تكون أكثر فعالية أم لا، ولكني شخصياً أعتقد أنه- أوباما- ومعه الأميركيون بشكل عام، مخطئون عندما يبدون وكأنهم يقولون: ما يحدث في سوريا شيء فظيع، ولكن ليس لدينا ما نفعله تجاهه. وهذا أيضا هو رأيي الجنرال الجنرال المتقاعد بالجيش الأميركي من فئة أربع نجوم «جيمس كارترايت»، والذي شغل في السابق منصب نائب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الذي يقول:«هناك الكثير من الأشياء التي يمكننا عملها هناك، منها تحقيق الأمن في مناطق مختارة، وحماية، والمحافظة على استقرار المناطق الآمنة، وإتاحة الفرصة للسوريين لإعادة بناء بلادهم، حتى مع تواصل القتال في مناطق أخرى فيها». ويعترف كارترايت الذي كان يوصف بأنه«جنرال أوباما المفضل» أن اقتراحه الخاص بإنشاء مناطق آمنة ينطوي على أخطار، وأن الشعب الأميركي يجب أن يكون مستعدا لمشروع طويل قد يمتد لعقد من الزمن، أو ربما أكثر من ذلك. والرئيس الأسبق بيل كلينتون، ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت، يوافقان على الرأي القائل بأننا نستطيع عمل المزيد، كإقامة مناطق آمنة على سبيل المثال. وعلى الرغم من أن أولبرايت تؤكد على أن الولايات المتحدة يجب أن تكون في غاية الحذر عند استخدام القوة حتى لا تكون تلك القوة سبباً في مفاقمة المشاكل، إلا أنها ترى، بعد أخذ كل العوامل في الاعتبار أننا«يجب أن نكون مستعدين لإقامة هذه المناطق الإنسانية». من بين أهداف تلك الاستراتيجيات، زيادة احتمالات وفرص التوصل إلى إنهاء الحرب من خلال المفاوضات. واحتراز أوباما، منع وزير الخارجية جون كيري الذي يحاول جاهدا التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم من خلال المفاوضات، من التأثير والنفوذ. كما أن تردده بشأن سوريا كان له أثماناً واقعية باهظة، منها أن أي خطوة نقوم بها في سوريا الآن، باتت أكثر تعقيداً بكثير مما كانت عليه، بسبب دخول روسيا إلى الحرب الدائرة في هذا البلد. وفي حين أن حذر أوباما من التورط في سوريا مفهوم، إلا أن افتقاره إلى القيادة العالمية العلنية من خلال السعي لمساعدة لاجئيها الذين يتدفقون على الأردن، ولبنان، وتركيا أمر يصعب شرحه، خصوصاً وأن متطلبات النداء الدولي من أجل تقديم يد العون للسوريين، لم يتم تمويلها هذا العام سوى بنسبة 41 في المئة فقط. عن هذه النقطة يقول ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني السابق والذي يشغل الآن منصب رئيس لجنة الإنقاذ الدولية:«إذا ما كنت تهتمون بالتطرف، فيكفي أن تعرفون أن هناك في الوقت الراهن 200 ألف طفل سوري يعيشون في لبنان من دون تعليم». وقد لا يكون من العدل توجيه اللوم لأوباما وحدة، في حين أن هناك سياسيين آخرين، ودولا أخرى لم تحرك ساكنا تجاه الأزمة في سوريا. ومن المقرر أن يستضيف أوباما اجتماعاً عن اللاجئين الشهر المقبل، وآمل أنه سينتهز هذه الفرصة لتوفير القيادة العالمية المطلوبة لمعالجة هذه الأزمة. قابلت مؤخرا اثنين من الأطباء الأميركيين الشجعان، الذين عرضوا أنفسهم لمخاطر شخصية جسيمة، عندما استغلوا وقت عطلتهم، للتسلل إلى حلب في سوريا للعناية بالأطفال المصابين نتيجة لاستخدام البراميل المتفجرة. ووصف الطبيبان لي ظروف العمل في مستشفى مؤقت تحت الأرض، والغضب الذي يشعران به تجاه اللامبالاة العالمية. «الجلوس مكتوفي الأيدي، والسماح للحكومة وحلفائها بالقيام بشكل منهجي متعمد بقصف، وتعذيب، وتجويع مئات الآلاف من الناس لحد الموت، ليس هو الحل» هذا ما قاله لي دكتور سامر العطار من شيكاغو وهو أحد الطبيبين الذي أضاف أيضاً:«الصمت، وعدم الإحساس، واللامبالاة، والتقاعس لن تجعل هذه المعاناة تنتهي». *كاتب أميركي حاصل على جائزة بولتيزر ينشر بترتيب خاص مع خدمة«نيويورك تايمز»