أمضى ملك المغرب محمد السادس سبعة عشر سنة على العرش، في بلد يشكل استثناءً في محيطه الجهوي، بفضل سبقه وانفتاحه السياسي وتجذير أصول الأمن والأمان، وجلب الاستثمارات الدولية، وتحقيق التنمية رغم قلة الموارد الطبيعية، وفي بلد اضطلعت فيه الملكية بدور تاريخي كبير في صنع وتأصيل مبدأ التضامن الديني والمدني للاجتماع الإنساني والسياسي المغربي، حيث منح السلطة فيه مضموناً على درجة من الحداثة عميقة، وجعل من السلطة سلطة عمومية معروضة للتداول تمتنع على الاحتكار والاستئثار تحت أي ظرف من الظروف. المغرب دولة فيها جهات وأحزاب ونقابات ومجتمع مدني ومعارضة وقوى حية تشارك في العمليات السياسية وفي تسيير الشأن العام. المغرب دولة لها دستور من الجيل الرابع أشركت فيه الملكية كل أطياف المجتمع السياسي والمدني في تسيير شؤون الوطن.. كما أن الشرعية في النظام المغربي مبنية على رباط تاريخي بين العاهل والشعب يعبر عنه في احتفال البيعة الذي تقيمه الأمة/ الجماعة بكل مكوناتها إضافة إلى سلالته الشريفة، وهذان العاملان يعطيان لملك المغرب شرعية تاريخانية ومؤسساتية دينية تنزهه عن الصراعات والتحزبات التي يمكن أن تعرفها الأمة/ الجماعة، ومثل هذه الشرعية كانت غائبة في بلدان أخرى مجاورة عند الاستقلال، وهذا ما أكد عليه ملك المغرب في خطاب عيد العرش منذ أيام عندما قال: «وبصفتي الساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنني لا أشارك في أي انتخاب، ولا أنتمي لأي حزب. فأنا ملك لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون. كما أنني ملك لكل الهيئات السياسية دون تمييز أو استثناء. وكما قلت في خطاب سابق، فالحزب الوحيد الذي أعتز بالانتماء إليه هو المغرب. ومن تم، فشخص الملك، يحظى بمكانة خاصة في نظامنا السياسي. وعلى جميع الفاعلين مرشحين وأحزاباً تفادي استخدامه في أي صراعات انتخابية أو حزبية». بمعنى أن المغاربة، وبخاصة الفاعلين السياسيين، مطالبون بتثمير ما وصل إليه المجتمع السياسي على قوام سياسي جد متقدم يستجيب لحاجيات الديمقراطية وموجبات التطور. فليست النصوص لوحدها هي التي تصنع المواطنة، وتسقي أشجار الانفتاح السياسي، وإنما البشر هم الذين يوصلون البلدان إلى بر الأمان أو يبقونها في واد غير ذي زرع من البؤس السياسي والسلطوية التحايلية، رغم حضور نصوص دستورية وقانونية تضاهي أقدم الديمقراطيات في العالم. والقطيعة مع النزعة اللأخلاقية واللاسياسية في المجال السياسي العام لا يمكن أن تأتي إلا من المواطنين أنفسهم، كما أن القبول بمبدأ الاختلاف وإقراره في عقد سياسي يصادق على حق الرأي والانتماء، وعلى التعددية السياسية من جهة ثم القبول بمبدأ توزيع السلطة واقتسامها لا يمكن أن تنجح إلا بمجهودات المجتمع السياسي والمدني قاطبة. يحسب للعاهل المغربي ما قام به طيلة 17 سنة وهو يجوب شمال وجنوب وشرق وغرب المغرب لإخراج كل مناطقه من غيابات الفقر والتخلف، كما كانت له سياسة تنموية واقتصادية رائدة واستراتيجية أدخلت المغرب في المعركة الاقتصادية الحاسمة التي يعيشها العالم، انطلاقاً من العمل الجاد للرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني والتقييم الموضوعي للسياسات العمومية والتحيين المستمر للاستراتيجيات القطاعية والاجتماعية: وخير دليل على ذلك، كما قال جلالته في خطابه الأخير، تزايد عدد الشركات الدولية، كـ«بوجو» مثلًا، والشركات الصينية التي ستقوم بإنجاز المشروع الاستراتيجي للمنطقة الصناعية بطنجة، على مساحة تتراوح بين 1000 و2000 هكتار، وكذا الشركات الروسية وغيرها، التي قررت الاستثمار في المغرب، وتصرف الملايين على مشاريعها. هذه الشركات لا يمكن أن تخاطر بأموالها دون أن تتأكد أنها تضعها في المكان الصحيح. بل إنها تعرف وتقدر الأمن والاستقرار، الذي ينعم به المغرب، والآفاق المفتوحة أمام استثماراتها. كما أن العديد من الشركات العالمية، عبرت عن اهتمامها بالاستثمار في مشروع (نور - ورزازات)، الذي يعد أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم. كما يتزايد عدد الأجانب، الذين يختارون المغرب للإقامة والاستقرار، وخاصة من فرنسا وإسبانيا. ومنهم من يقوم بإحداث شركات خاصة. فهؤلاء الأجانب يعيشون في أمن واطمئنان، في ظل حماية أمير المؤمنين، وتحت مسؤولية الدولة المغربية، إضافة إلى أن المغاربة يعاملونهم بكل ترحيب وتقدير. الانفتاح السياسي والتنمية عاملان لقاعدة رياضية واحدة في عملية البناء السياسي والتقدم الاقتصادي، ولا يحق لأي فاعل حزبي أو مجتمعي في هاته المعادلة الاتكاء على قواعده الخلفية العميقة لاستنفارها واستنهاضها ضد أي كان، والكل الآن مطالب باستبطان فكرة الدولة وتوطينها في نسيجه الثقافي والنفسي.