ربما لم يتخيل أوباما نفسه كقائد أعلى للقوات المسلحة الأميركية في زمن الحرب، عندما انتخب رئيساً للولايات المتحدة عام 2008، ولكن هذا ما كان محتماً أن يحدث معه -كما حدث من قبل مع سلفه، وكما سيحدث فيما بعد مع خلفه. بيد أن الأمر الذي لاشك فيه، هو أنه سيتم توجيه العديد من الانتقادات لأداء أوباما لدوره كقائد أعلى. بيد أن المفارقة هنا تكمن في أن أحد أكثر تلك الانتقادات وجاهة يبدو -ظاهرياً- الأقل احتمالاً على الإطلاق بالنسبة لرجل موهوب في الخطابة مثل أوباما. وهذا الانتقاد هو: تهافت خطابه تحديداً بشأن الحرب. فالقائد الأعلى في زمن الحرب، مطلوب منه إنجاز العديد من الأشياء، منها على سبيل المثال لا الحصر، إصدار أوامر العمليات، والموافقة على الخطط، وتعيين وإعفاء القادة. وأوباما قام بالفعل بكل هذه المهام بصرف النظر عن صعوبة بعضها وسهولة البعض الآخر، ولكنه كان مطالباً إلى جانب ذلك بأن يتحدث -بوضوح وإقناع- إلى الشعوب الأجنبية، والمشرعين المحليين، والقوات، وقادة الدول الحليفة، بل وحتى للأعداء اللدودين. والأمر المؤكد، أن أوباما لم يشرح للشعب الأميركي -بأي قدر من التفصيل- الأسباب التي دعته لمواصلة الحرب في أفغانستان والعراق، بدلًا من إنهائها كما كان قد وعد. وقد أعلن أن الحروب التي شنتها أميركا على «القاعدة» قد تكللت بالنصر المبين، في حين أن الأمر لم يكن كذلك. كما قلل من شأن أولئك الذين اختلفوا معه حول مسألة استخدام القوة من خلال وصفهم إما بأنهم دعاة حرب، أو مجموعة من السذّج على نحو لا يرتجى علاجه. كما رسم صورة لمستقبلٍ خالٍ من الأسلحة النووية، في الآن ذاته الذي شهدت فيه ترسانات القوى النووية نمواً ملحوظاً. إلى ذلك كله، وصف الرئيس فكرة تسليح المعارضين السوريين بأنها حماقة -قبل أن يقوم بتسليحهم فيما بعد- كما تنبأ بغرق روسيا في مستنقع بعد تدخلها عسكرياً في الشرق الأوسط، في حين أن الحقيقة هي أنها كانت تمد نفوذها والمدى الذي يمكن أن تصل إليه. وليس هذا فحسب، بل لقد نفذ أكثر حملات الاغتيال كثافة (القتل المستهدف، إذا ما شئتم تسميتها كذلك) في تاريخ الحروب، من دون أن يقدم الدليل الكافي على ضرورتها. وسواء أسمينا ذلك غياب الخطاب، أو الخطاب الفارغ، أو الخطاب الخاطئ، فإن الشيء المؤكد، هو أن أوباما، بعد كل شيء، ليس داعية سلام وليس شخصاً شديد الحساسية كما قد يظن البعض. فالرئيس أمر بشن ثالث حرب عراقية خلال ربع قرن، وأمر بتنفيذ عدد لا يحصى من غارات الطائرات من دون طيار، وغارات الكوماندوز، وتدخل في ليبيا، وطور وجود قواته في أوروبا، وأمر بتسيير دوريات بحرية استفزازية (ولكن ضرورية)، في بحر الصين الجنوبي، لا يمكن أن نطلق عليه أنه شديد الحساسية. وما أعاق أوباما جزئياً في دوره كقائد أعلى، هو نفوره من هذا الدور. ويجب علينا ألا ننسى أن نجاح الكثير من القادة السياسيين في دورهم كقادة أعلى في زمن الحرب، يرجع إلى أنهم كانوا يستمتعون بأداء هذا الدور ويكفي أن نعود إلى سيرة قادة مثل إبراهام لينكولن، وفرانكلين روزفلت، ووينستون تشرشل، حتى ندرك ذلك. والأمر مختلف بالنسبة لأوباما: فهو يهتم بقمة العشرين أكثر من اهتمامه بالناتو، ويهتم بالإصلاحات الاجتماعية الداخلية، أكثر من اهتمامه بالتنافس مع القادة الخارجيين على النفوذ الدولي، أو خوض الصراع ضد أعداء لدودين. وهو يرى أن ليبيا، وأوكرانيا، وسوريا، في مجملها، تمثل قضايا كريهة، تصرف أنظاره عن مسألة بناء جمهورية أكثر كمالاً في الداخل. والغرور سبب آخر -أكثر عمقاً في الحقيقة- لفشل خطاب أوباما كقائد أعلى. ففي مقابلة شهيرة مع جيفري جولدبيرج في دروية «أتلانتيك» أعرب أوباما بجلاء عن كراهيته لأي آراء تتعلق بالأمن القومي، غير آرائه الشخصية، وآراء مرؤوسيه. والانتخابات لها آثار أيضاً، من دون شك، فهو قد أحرز نصراً حاسماً في انتخابين، وسيكسب أي انتخابات ثالثة ضد أي متحدٍ، يمكن تصوره، أو هذا على الأقل ما يعتقده. ونحن الآن، وأكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى رئيس يستطيع التحدث إلى الشعب الأميركي، بشأن الأمن القومي، ويستطيع أن يشرح صراع الجيل ضد «الجهاديين»، والمخاطر التي تشكلها روسيا المتحدية في أوروبا، والمخاطر التي لا تقل عن ذلك لصعود القوة العسكرية الصينية، ومطامعها في آسيا. والسؤال هنا: ما الذي يدعونا للاهتمام بشرق أوسط يصعب احتواء عنفه لمدة طويلة؟ لماذا يجب أن نستمر في قتال «طالبان»، لماذا تهم تحالفاتنا طالما أن كل ما نريده منها هو إقناع هؤلاء الحلفاء بالالتزام بالمشاركة في شن الحروب؟ إن الإجماع القديم على استخدام القوة العسكرية، يتقوض حالياً، ونحن بحاجة إلى شخص لديه القدرة على إعادة بنائه، وهو ما يمكن تحقيقه فقط، من خلال شخص يمتلك القدرة على التحدث بلباقة، وجلاء الحقائق المتعلقة به. إنه لشيء يدعو للأسف في الحقيقة أن رئيساً فصيحاً بدرجة غير عادية، قد أخفق في أن يقدم لنا مثل هذا الخطاب. إليوت إيه كوهين أستاذ بجامعة جونز هوبكنز وعضو سابق في إدارة جورج دبليو بوش ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»