في طفولتنا كانت أمي تبدأ في أول رمضان حكاية تختتمها ليلة العيد. واكتشفت فيما بعد أن أغلب حكايات أمي من «ألف ليلة وليلة» وربما العكس، «ألف ليلة وليلة» أصلها حكايات العراقيات عبر التاريخ. وحكاية رمضان الحالي عنوانها «حكاية جديدة للبشرية» أرسلها في الإنترنت رجل الأعمال العراقي بجلي الخضيري لأصدقائه. أطلقت الحكاية حركة «القرية البيئية» في سكوتلندا، وتتيح للمشاركين رواية قصتهم في الكون، حسب موقعها في الإنترنت، الذي يذكر أن «الأزمة الكبرى التي يمر بها أيُّ مجتمع هي لحظات التغيير، عندما تصبح الحكاية غير ملائمة لمواجهة متطلبات البقاء». و«حكايانا تكوننا، وتجعلنا نتماسك، وتمنح حيواتنا معنى. ويحدث غالباً أن القصة السائدة لم تعد تعمل. والآن حلّ هذا الوقت، فالبشرية تحتاج إلى صورة جديدة موحية للمستقبل الذي علينا العيش فيه، وإيجاد طرق عملية تعاونية لإنتاج الحكاية الجديدة». ويدعو موقع الإنترنت المشاركين لتقديم العون للتسريع في الفهم الجماعي لما يحمله لنا العالم المنتظر، الذي بدأ بالظهور فعلاً، وما المطلوب لتغييره «فينا وفي حكاية البشرية على حد سواء». وعندما ندخل الموقع نجد المشاركين في الحكايات التي تجمع الأسرة البشرية في مجتمع الكرة الأرضية، وترسم العقل التعاوني لإعادة إبداع حكاية ملهمة. عمل رواة الحكايات ليس حكايتها فحسب، بل تحويل الواقع إلى حكايات حية تربط بين البلدان، والمدن، والقارات، والأجناس، والثقافات. الباحثة الأميركية «كيم ماينارد» مؤلفة كتب عدة، بينها «شفاء المجتمعات المتنازعة»، عملت ثلاثين سنة في قلب الكوارث، والأزمات لدعم تحولها إلى السلام والتجديد، باحثة فيها، وكاتبة ومتحدثة عنها، تُعلّم وتشارك مباشرة في إعادة الحياة إلى مجتمعات مزقتها الحرب. وترى «كيم» في الكوارث والاضطرابات السياسية والصراعات فرصاً لتغيير الوضع القائم، ولكتابة حكاية جديدة تنشئ عبر التعاون المحلي إمكانات جديدة للبيئة، والعلاقات، والأجواء الاقتصادية والسياسية، وتستكشف «كيم» حالياً الدور الممكن المبدع للصراعات غير العنيفة، في العصر المقبل، والقوة التي تملكها كعنصر أساسي في تحويل الواقع الجديد. والأكاديمي الروسي إيفان نازاروف، المختص بعلم النفس عضو مركز هدفه تبني الآباء والمدرسين لإنشاء وعي جديد في العالم، عبر الأطفال. وإيفان أب بالتبني لثمانية أطفال، ينشئ معهم ألعاباً تربوية في التاريخ والخيال العلمي لمساعدتهم في تأليف حكايات ملهمة، وتنمية المبادرة للصداقة مع الثقافات الأخرى. والناشط المغربي الشاب محمد رشد، يروي حكايته من الدار البيضاء حيث تحول بعد تخرجه من كلية العلوم إلى دراسة القانون، وحصل على إجازة المحاماة، ونال الماجستير في بحث عنوانه «التثاقف بين الناس في المغرب»، وقادته نزعته الاجتماعية إلى المشاركة في الصحافة الرياضية، وفي الفيلم الوثائقي «عبور الحدود» للمخرج الفرنسي «آرند واتشنر». وتضم مبادرة الحكايات أربعين ناشطاً آخرين، بينهم الفلسطينية عايدة الشبلي التي أنشأت مبادرة «قرية السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبجلي الخضيري نفسه حكاية مدهشة، فهو من عائلة الخضيري الثرية السعودية الأصل، ورث حصة جيدة من شركة أبيه «نادر لصناعة الأغذية»، مع ذلك عمل لفترة سائق تاكسي في بلدتنا خارج لندن، وأسس مكتباً تدريبياً في بغداد، وكان يبيع من منزله الراقي بضواحي لندن خضراوات عضوية، وشارك في مشروع لا يُصدّق، يتردد صداه حتى اليوم، حيث أنشأ عُملة نقدية أهلية، لا علاقة لها بالحكومات أو البنوك، وما زال الدرهم الذهبي، الذي سكّهُ معلقاً ضمن إطار في مكتبي. وكان أول عمل لابنتي «سارة» وهي في المدرسة الثانوية، رعاية طفلَتَي «بجلي» خلال غيابه وزوجته عن المنزل، وأتذكر كيف أخبرتني ابنتي مبهورة: «بابا، أعتقد بيت عمو بجلي من سكان الفضاء»!