مقابل كل خطر من المخاطر التي تهدد هذا العالم، هناك فرصة ونافذة للأمل. ووراء كل فرصة من الفرص، يكمن الخطر الرابض في مكان ما.
بهذا المزيج من التفاؤل والخوف، من التحفز والترقب، أستقبل هذا العام الجديد. فمنطقة الشرق الأوسط تعتبر النموذج الكلاسيكي لهذا الخليط من الفأل والترقب والحذر. والانتخابات المرتقب إجراؤها في العراق، في الثلاثين من شهر يناير المقبل، تعتبر خطوة كبيرة ومهمة باتجاه تطبيع الحياة فيه. فما من أحد – لا سيما في العالم الإسلامي- يستطيع أن يتفاءل خيراً من احتلال دولة عربية كبرى بحجم العراق، من قبل آخر دولة عظمى متبقية في عالمنا المعاصر هذا. فكلما أسرعت الخطى بوضع نهاية لهذا الاحتلال، وإحلاله بحكومة شرعية وطنية، كلما كان أفضل للعراق، وللعالم بأسره.
وفيما لو أصبح ممكناً انبثاق عراق فيدرالي جديد، يسمح لحكم الأغلبية بصيانة واحترام حقوق كافة ألوان الطيف العراقي، من شيعة وسنة وأكراد، على قدم المساواة، فإنه سيكون يوماً لميلاد ديمقراطية يعتد بها، في ذلك الجزء من العالم، الذي طالما ظل محكوماً على امتداد السنين والحقب، بقبضة من حديد، وبعيداً عن الإجماع الوطني.
فيما لو تحقق ذلك، فسينظر إلى العام المقبل 2005، باعتباره عاماً لانشقاق الأرض وانبثاق الجديد. لكن وفيما لو جرى تخريب هذه الانتخابات وتقويضها نتيجة لتصاعد أعمال العنف، وتأجيج نيران النزاع والمشاحنات الداخلية العرقية، وتهيئة المناخ والظروف لاندلاع الحرب الأهلية بين العراقيين، فإن عام 2005 سيستقر في الذاكرة العالمية على أنه يوم شؤم على العراق وعلى منطقة الشرق الأوسط بأسرها.
وخلافاً لما يجري في العراق، وفي جزء آخر من المنطقة نفسها، تشهد ديناميات انتقال السلطة، تغيرات كبيرة ورئيسية. ففي فلسطين، هناك من يزعم أن رحيل الزعيم ياسر عرفات، سيفتح الطريق أمام بدء محادثات سلام مختلفة بين القيادة الفلسطينية الشابة الجديدة، والحكومة الإسرائيلية التي رفضت مسبقاً مبدأ التفاوض مع الزعيم الراحل عرفات. وإذا ما وفق رئيس السلطة الفلسطينية الجديد، في قيادة حوار مثمر وبناء مع الجانب الإسرائيلي، يتمحور حول حل سلمي للنزاع بينهما، يقوم على الإعلان عن دولتين مستقلتين، عندها سيكون مكسباً سياسياً كبيراً قد تحقق، على طريق إقامة علاقات التعايش السلمي بين الطرفين.
يذكر هنا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون –وهو الذي ظل لمدة طويلة عقبة كأداء أمام السلام- قد وعد بالانسحاب من قطاع غزة، بموجب قرار أحادي الجانب، كان قد اتخذه مؤخراً بهذا الخصوص. وفيما لو بدا الانسحاب من قطاع غزة، مؤشراً على استعداد جديد للحوار وتقديم التنازلات من جانبه للزعيم الفلسطيني الجديد، فإن ذلك سيمثل بحق، طفرة كبيرة باتجاه وضع حد لواحد من أطول النزاعات وأكثرها تعقيداً في هذا العالم.
وإذا كانت فلسطين مرشحة لحدوث طفرة كهذه، فما الذي يمنع تحقق طفرة مشابهة في شبه القارة الشرق آسيوية؟ تاريخياً هناك مقارنات عديدة ومنظورة بين الانقسامين اللذين حدثا في كل من فلسطين والهند. فقد حدث كلاهما في العام ذاته، وبطبيعة دينية، وتحت السلطة الاستعمارية الإنجليزية نفسها، مما أسفر عنه نموذجان دوليان، لأخطر النزاعات الإقليمية وأطولها مدى زمنياً، وتأثيراً على الساحة الدولية برمتها، على امتداد نصف قرن من الزمان. وإنني لأرى فرصة لابتكار أفكار سياسية جديدة، من شأنها أن تفتح الطريق أمام إدارة حوار فاعل وهادف حول وضعية كل من جامو وكشمير، من شأنه أن يعود بالسلام والاستقرار إلى أهل هاتين المنطقتين معاً.
كما أرى فرصة تلوح في سماء بلدي باكستان، تبشر بحلول الديمقراطية فيها خلال العام المقبل 2005. وكانت الولايات المتحدة قد كررت عزمها مراراً على نشر الديمقراطية على نطاق العالم بأسره، بدءاً بالعراق، ومؤخراً كما نرى في جمهورية أوكرانيا. وكما نعلم فإنه ليس ممكناً تطبيق قيم الديمقراطية على نحو انتقائي لصالح شعب دون الآخر. وإذا كان العالم قد تحالف ووضع أياديه معاً، من أجل إحلال الديمقراطية في أوكرانيا، فما الذي يمنعه من فعل الشيء نفسه، من أجل إحلالها في باكستان؟ وهناك أصوات ترتفع منادية باكستان بالتطبيق الكامل للديمقراطية في نظام حكمها.
وفيما لو فكر النظام العسكري الحاكم الآن، في إجراء انتخابات حزبية في العام المقبل 2005، وكانت هذه الانتخابات حرة ونزيهة بحق، فإن عام 2005، سيكون عام فأل يسجله التاريخ، باعتباره فرصة جديدة للديمقراطية في هذا البلد. وذاك هو حلمي. وخلافاً لذلك، وفيما إذا تم تجاهل إرادة الشعب الباكستاني وتطلعه نحو الديمقراطية والحرية، فإن عواقب ذلك التجاهل ستكون وخيمة وذات أثر سلبي على باكستان والعالم بأسره.
غير أن هناك سحباً داكنة كثيفة من المخاطر الاقتصادية، تغطي سماء هذه الفرص والتنبؤات السياسية التي سقناها أعلاه. فقد أسفر العجز المالي الذي تعانيه الولايات المتحدة الأميركية، عن تأرجح واهتزاز في قيمة الدولار، علماً بأنه عملة ال