كانت إحدى المشاكل التي واجهتها أجهزة الأمن في الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا، هي النقص الكبير في المعلومات عن رعاياها الذين انضموا إلى تنظيم «داعش» في العراق والشمال، وقد بدا في بداية الأمر أن لهم دوراً كبيراً في جهاز إعلام «الدعاية الداعشية»، وفي تولي مهمة ذبح وقتل الرهائن بصورة بشعة، كما أظهرتها أشرطة الفيديو التي أذاعتها «داعش» في الضحايا الأوائل الذين كان مصيرهم الإعدام. ومنذ العام الماضي، كانت بعض «المعلومات عن رعايا الغرب في التنظيم» قد تكشفت وتسربت، وفيها ثروة من المعلومات عن الوثائق الداخلية لأفراد الجهاز المصنفين أجانب، وكل فرد قيادي أو عضو قاعدي ليس عراقياً أو سورياً، فهو مصنَّف «أجنبياً» في «داعش». في كندا، فازت صحفية مميزة هي «ميشل شبرد» محررة الأمن الوطني في جريدة «تورنتو ستار» بجائزة قيمة ترعاها مؤسسة «أتكنسن» الصحفية، هي عبارة عن منحة سنوية لصحفي أو صحفية يقوم ببحث وتحقيق عن إحدى القضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة.. وبحثت تلك الصحفية على مدى عام في وثائق «داعش» الخاصة بأفراد التنظيم الأجانب، وسيصدر التحقيق الصحفي الفائز بالمنحة في كتاب، وقد بدأت يومية «تورنتو ستار» في نشر صفحات منه منذ يوم السبت الماضي وسيستمر النشر أسبوعاً، وهذا التحقيق الصحفي -الكتاب- اختارت له الصحفية عنوان «ملفات داعش». كان المقال الأول «المقدمة» عن ملفات «داعش» التي حصلت عليها الكاتبة، عبارة عن تحليل لطلب الانضمام لعضوية «داعش»، يحتوي على أسئلة مماثلة لأي مطلب، طلب الانضمام أو الالتحاق بوظيفة ما في أي دائرة حكومية أو شركة تجارية.. مثلاً مطلوب من مقدم الطلب أن يجيب عن أسئلة تبدأ بالتعريف باسمه، فصيلة دمه- تاريخ ميلاده- جنسيته، شهاداته الدراسية، الوظائف التي شغلها- ثم سؤال عن «الوظيفة» التي يرغب في الالتحاق بها، هل يرغب في أن يكون مقاتلاً، أو حارساً أمنياً، أم إدارياً.. وهكذا يبدأ «ملف» الإرهابي القادم للانضمام للتنظيم الدموي. وقد توافرت معلومات كثيرة أخرى عن التنظيم بدأ تسريبها بواسطة متطرفين تائبين هداهم الله وخرجوا من التنظيم، ولكل منهم قصته وروايته وأسباب «ارتداده» عن الإرهاب «الداعشي». ومما نشر حتى الآن، أن عدد «الأجانب» المنضمين لتنظيم «داعش» قد بلغ في الرواية أكثر من أربعة آلاف أجنبي.. ومن الوثائق يمكن أن نتعرف إلى نوعية هؤلاء الأجانب، وكيف انضموا للتنظيم ومن أين جاءوا؟ فمثلاً يقول التحقيق إن «الأجانب» في التنظيم ينحدرون من أكثر من عشرين دولة أجنبية بالنسبة لنظام «داعش» الداخلي، من بينهم نجار من داغستان، ومدرس جغرافيا من أوكرانيا، وحارس شخصي من أستراليا، وصاحب مطعم، وعمال بناء، وميكانيكي من تونس، ورجل مبيعات من بلجيكا، وطبيب أسنان من مصر.. وتاجر مخدرات من إندونيسيا، ومدير فندق من لبنان، ومهندس كهربائي من بريطانيا، وسبعة أطباء، اثنان منهم من مصر، وواحد من كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وفلسطين، وواحد من سوريا... إلخ، والقائمة تطول. وثمة ملاحظات أخرى جديرة بالاهتمام، منها أن أعمار هؤلاء الأجانب في الغالبية تتراوح ما بين 25 و26 عاماً عندما وصلوا إلى سوريا ما بين عامي 2013 و2014، وهي الفترة التي تغطيها الملفات المسربة للصحفية. ولكن أعمار 770 مجنداً أقل من 21 عاماً. إن ملفات «داعش» لا توفر معلومات شخصية عن الأجانب الذين وصلوا سوريا فحسب، ولكنها توفر أيضاً مادة للدراسة السياسية والاجتماعية عن الأسباب التي تدفع هؤلاء الشباب الصغار في أعمارهم في هذه «المغامرة» الدموية التي يقوم بها «داعش»! وفي الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة، قال أحد الخارجين من التنظيم إنه يرثي لحالة هؤلاء «الشباب» الذين غررت بهم دعاية التنظيم الإرهابي، وعندما وصلوا المنطقة التي يحتلها وعاشوا في أرضها أصبحوا أسرى لجهاز القمع «الداعشي»، وهم محاصرون في الرقة وبعض القرى السورية.. ولكن القضية كما يقولون تحتاج لأكثر من إجابات عميقة وواضحة. وفي الملفات المزيد من المعلومات التي تحتاج للتحليل والدراسة، ولكن الحيز المتاح لا يوفر ذلك اليوم.